البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرٗا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَۚ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (27)

{ قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } : رغب شعيب في مصاهرته ، لما وصفته به ، ولما رأى فيه من عزوفه عن الدنيا وتعلقه بالله وفراره من الكفرة .

وقرأ ورش ، وأحمد بن موسى ، عن أبي عمرو : أنكحك إحدى ، بحذف الهمزة .

وظاهر قوله : { أن أنكحَك } ، أن الإنكاح إلى الولي لا حق للمرأ فيه ، خلافاً لأبي حنيفة في بعض صوره ، بأن تكون بالغة عالمة بمصالح نفسها ، فإنها تعقد على نفسها بمحضر من الشهود ، وفيه دليل على عرض الولي وليته على الزوج ، وقد فعل ذلك عمر ، ودليل على تزويج ابنته البكر من غير استئمار ، وبه قال مالك والشافعي .

وقال أبو حنيفة : إذا بلغت البكر ، فلا تزوج إلا برضاها .

قيل : وفيه دليل على قول من قال : لا ينعقد إلا بلفظ التزويج ، أو الإنكاح ، وبه قال ربيعة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وداود .

وإحدى ابنتي : مبهم ، وهذا عرض لا عقد .

ألا ترى إلى قوله : { إني أريد } ؟ وحين العقد يعين من شاء منهما ، وكذلك لم يحدّ أول أمد الإجارة .

والظاهر من الآية جواز النكاح بالإجارة ، وبه قال الشافعي وأصحابه وابن حبيب .

وقال الزمخشري : { هاتين } ، فيه دليل على أنه كانت له غيرهما . انتهى .

ولا دليل في ذلك ، لأنهما كانتا هما اللتين رآهما تذودان ، وجاءته إحداهما ، فأشار إليهما ، والإشارة إليهما لا تدل على أن له غيرهما .

{ على أن تأجرني } في موضع الحال من ضمير أنكحك ، إما الفاعل ، وإما المفعول .

وتأجرني ، من أجرته : كنت له أجيراً ، كقولك : أبوته : كنت له أباً ، ومفعول تأجرني الثاني محذوف تقديره نفسك .

و { ثماني حجج } : ظرف ، وقاله أبو البقاء .

وقال الزمخشري : حجج : مفعول به ، ومعناه : رعيه ثماني حجج .

{ فإن أتممت عشراً فمن عندك } : أي هو تبرع وتفضل لا اشتراط .

{ وما أريد أن أشق عليك } بإلزام أيّم الأجلين ، ولا في المعاشرة والمناقشة في مراعاة الأوقات ، وتكليف الرعاة أشياء من الخدم خارجة عن الشرط .

{ ستجدني إن شاء الله من الصالحين } : وعد صادق مقرون بالمشيئة من الصالحين في حسن المعاملة ووطاءة الخلق ، أو من الصالحين على العموم ، فيدخل تحته حسن المعاملة .

ولما فرغ شعيب مما حاور به موسى ،