البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (38)

ونفى فرعون علمه بإله غيره للملأ ، ويريد بذلك نفي وجوده ، أي ما لكم من إله غيري .

ويجوز أن يكون غير معلوم عنده إله لهم ، ولكنه مظنون ، فيكون النفي على ظاهره ، ويدل على ذلك قوله : { وإني لأظنه من الكاذبين } ، وهو الكاذب في انتفاء علمه بإله غيره .

ألا ترى إلى قوله حالة غرقه : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } واستمر فرعون في مخرقته ، ونادى وزيره هامان ، وأمره أن يوقد النار على الطين .

قيل : وهو أول من عمل الآجر ، ولم يقل : أطبخ الآخر ، لأنه لم يتقدم لهامان علم بذلك ، ففرعون هو الذي يعلمه ما يصنع .

{ فاجعل لي صرحاً } : أي ابن لي ، لعل أطلع إلى إله موسى .

أوهم قومه أن إله موسى يمكن الوصول إليه والقدرة عليه ، وهو عالم متيقن أن ذلك لا يمكن له ؛ وقومه لغباوتهم وجهلهم وإفراط عمايتهم ، يمكن ذلك عندهم ، ونفس إقليم مصر يقتضي لأهله تصديقهم بالمستحيلات وتأثرهم للموهمات والخيالات ، ولا يشك أنه كان من قوم فرعون من يعتقد أنه مبطل في دعواه ، ولكن يوافقه مخافه سطوه واعتدائه .

كما رأيناه يعرض لكثير من العقلاء ، إذا حدث رئيس بحضرته بحديث مستحيل ، يوافقه على ذلك الحديث .

ولا يدل الأمر ببناء الصرح على أنه بني ، وقد اختلف في ذلك ، فقيل : بناه ، وذكر من وصفه بما الله أعلم به .

وقيل : لم يبن .

واطلع في معنى : اطلع ، يقال : طلع إلى الجبل واطلع بمعنى واحد ، أي صعد ،