{ ووصينا الإنسان } ، في جامع الترمذي : إنها نزلت في سعد بن أبي وقاص ، آلت أمه أن لا يطعم ولا يشرب حتى تموت ، أو يكفر .
وقيل : في عياش بن أبي ربيعة ، أسلم وهاجر مع عمر ، وكانت أمه شديدة الحب له ، وحلفت على مثل ذلك ، فتحيل عليه أبو جهل وأخوه الحارث ، فشداه وثاقاً حين خرج معهما من المدينة إلى أمه قصداً ليراها ، وجلده كل منهما مائة جلدة ، ورداه إلى أمه فقالت : لا يزال في عذاب حتى يكفر بمحمد ، في حديث طويل ذكر في السير .
{ ووصينا الإنسان بوالديه } : أي أمرناه بتعهدهما ومراعاتهما .
وانتصب { حسناً } على أنه مصدر ، وصف به مصدر وصينا ، أي إيصاء حسناً ، أي ذا حسن ، أو على سبيل المبالغة ، أي هو في ذاته حسن .
قال ابن عطية : يحتمل أن ينتصب على المفعول ، وفي ذلك تحريض على كونه عاماً لمعان .
كما تقول : وصيتك خيراً ، وأوصيتك شراً ؛ وعبَّر بذلك عن جملة ما قلت له ، ويحسن ذلك دون حرف الجر ، كون حرف الجر في قوله : { بوالديه } ، لأن المعنى : ووصينا الإنسان بالحسن في قوله مع والده ، ونظير هذا قول الشاعر :
عجبت من دهماء إذ تشكونا *** ومن أبي دهماء إذ يوصينا
مثله قول الحطيئة يوصي ابنته برة :
وصيت من برة قلباً حراً *** بالكلب خيراً والحماة شراً
وعلى هذا التقدير يكون الأصل بخير ، وهو المفعول الثاني .
والباء في بوالديه وفي بالحماة وبالكلب ظرفية بمعنى في ، أي وصينا الإنسان في أمر والديه بخير .
قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المفعول الثاني في قوله : { بوالديه } ، وينتصب { حسناً } بفعل مضمر تقديره : يحسن حسناً ، وينتصب انتصاب المصدر .
وفي التحرير : حسناً نصب عند البصريين على التكرير ، أي وصيناه حسناً ، وقيل : على القطع ، تقديره : ووصينا بالحسن ، كما تقول : وصيته خيراً ، أي بالخير ، ويعني بالقطع عن حرف الجر ، فانتصب .
وقال أهل الكوفة : ووصينا الإنسان أن يفعل حسناً ، فيقدر له فعل . انتهى .
وفي هذا القول حذف أن وصلتها وإبقاء المعمول ، وهو لا يجوز عند البصريين .
وقال الزمخشري : وصيناه بايتاء والديه حسناً ، أو نائلاً والديه حسناً ، أي فعلاً ذا حسن ، وما هو في ذاته حسن لفرط حسنه ، كقوله : { وقولوا للناس حسناً } انتهى .
وهذا التقدير فيه إعمال المصدر محذوفاً وإبقاء معموله ، وهو لا يجوز عند البصريين .
قال الزمخشري : ويجوز أن يجعل حسناً من باب قولك : زيداً ، بإضمار اضرب إذا رأيته متهيأ للضرب ، فتنصبه بإضمار أولهما ، أو افعل بهما ، لأن الوصية بهما دالة عليه ، وما بعده مطابق له ، فكأنه قال : قلنا أولهما معروفاً .
وقرأ عيسى ، والجحدري : حسناً ، بفتحتين ؛ والجمهور : بضم الحاء وإسكان السين ، وهما كالبَخَل والبُخْل .
وقال أبو الفضل الرازي : وانتصابه بفعل دون التوصية المقدمة ، لأنها قد أخذت مفعوليها معاً مطلقاً ومجروراً ، فالحسن هنا صفة أقيم مقام الموصوف بمعنى : أمر حسن .
انتهى ، أي أمراً حسناً ، حذف أمراً وأقيم حسن مقامه .
وقوله : مطلقاً ، عنى به الإنسان ، وفيه تسامح ، بل هو مفعول به ؛ والمطلق إنما هو المصدر ، لأنه مفعول لم يقيد من حيث التفسير بأداة جر ، بخلاف سائر المفاعيل ، فإنك تقول : مفعول به ، ومفعول فيه ، ومفعول معه ، ومفعول له ؛ وفي مصحف أبي : إحساناً .
{ وإن جاهداك } : أي وقلنا : إن جاهداك { ما ليس لك به علم } : أي بإلهيته ، فالمراد بنفي العلم نفي المعلوم ، أي { لتشرك } به شيئاً ، لا يصح أن يكون إلهاً ولا يستقيم ، { فلا تطعهما } فيما جاهداك عليه من الإشراك ؛ { إليّ مرجعكم } : شامل للموصي والموصى والمجاهد والمجاهد ، { فأنبئكم } : فأجازيكم ، { بماكنتم تعملون } : من بر ، أو عقوق ، أو طاعة ، أو عصيان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.