البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ} (187)

{ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيينه للناس ولا تكتمونه } هم اليهود أخذ عليهم الميثاق في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فكتموه ونبذوه قاله : ابن عباس ، وابن جبير ، والسدي ، وابن جريج .

وقال قوم : هم اليهود والنصارى .

وقال الجمهور : هي عامة في كل من علمه الله علماً ، وعلماء هذا الأمة داخلون في هذا الميثاق .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر : بالياء فيهما على الغيبة ، إذ قبله الذين أوتوا الكتاب وبعده فنبذوه .

وقرأ باقي السبعة : بالتاء للخطاب ، وهي كقوله : { لا تعبدون إلا الله } قرئ بالتاء والياء ، والظاهر عود الضمير إلى الكتاب .

وقيل : هو للنبي صلى الله عليه وسلم .

وقيل : للميثاق .

وقيل : للإيمان بالرسول لقوله :

{ لتؤمنن به ولتنصرنه } وارتفاع ولا تكتمونه لكونه وقع حالاً ، أي : غير كاتمين له وليس داخلاً في المقسم عليه .

قالوا وللحال لا للعطف ، كقوله : { فاستقيما ولا تتبعانّ } وقوله : ولا يسأل في قراءة من خفف النون ورفع اللام .

وقيل : الواو للعطف ، وهو من جملة المقسم عليه .

ولمّا كان منفياً بلا لم يؤكد ، تقول : والله لا يقوم زيد ، فلا تدخله النون .

وهذا الوجه عندي أعرب وأفصح ، لأن الأول يحتاج إلى إضمار مبتدأ ، قبل لا ، حتى تكون الجملة اسمية في موضع الحال ، إذ المضارع المنفي بلا لا تدخل عليه واو الحال .

وقرأ عبد الله : ليبينونه بغير نون التوكيد .

قال ابن عطية : وقد لا تلزم هذه النون لام التوكيد ، قاله : سيبويه انتهى .

وهذا ليس معروفاً من قول البصريين ، بل تعاقب اللام والنون عندهم ضرورة .

والكوفيون يجيزون ذلك في سعة الكلام ، فيجيزون : والله لا لأقوم ، ووالله أقومن .

وقال الشاعر :

وعيشك يا سلمى لأوقن إنني *** لما شئت مستحل ولو أنه القتل

وقال آخر :

يميناً لأبغض كل امرىء *** يزخرف قولاً ولا يفعل

وقرأ ابن عباس : ميثاق النبيين لتبيننه للناس ، فيعود الضمير في فنبذوه على الناس إذ يستحيل عوده على النبيين ، أي : فنبذه الناس المبين لهم الميثاق ، وتقدم تفسير معنى : { فنبذوه وراء ظهورهم } في قوله : { نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم }

{ واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون } وتقدم تفسير مثل هذه الجملة .

والكلام في إعراب ما بعد بئس فأغنى عن الإعادة .

/خ200