البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (186)

{ لتبلونّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً } قيل : نزلت في قصة عبد الله بن أبي حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قرأ عليهم الرسول القرآن : إنْ كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا .

وردّ عليه ابن رواحة فقال : اغشنا به في مجالسنا يا رسول الله .

وتسابَّ المسلمون والمشركون واليهود .

وقيل : فيما جرى بين أبي بكر وفنحاص .

وقيل : في كعب بن الأشرف كان يحرّض المشركين على الرسول وأصحابه في شعره ، وأعلمهم تعالى بهذا الابتلاء والسماع ليكونوا أحمل لما يرد عليهم من ذلك ، إذا سبق الإخبار به بخلاف من يأتيه الأمر فجأة فاته يكثر تألمه .

والآية مسوقة في ذمّ أهل الكتاب وغيرهم من المشركين ، فناسبت ما قبلها من الآيات التي جاءت في ذم أهل الكتاب وغيرهم من المشركين .

والظاهر في قوله : لتبلون أنهم المؤمنون .

وقال عطاء : المهاجرون ، أخذ المشركون رباعهم فباعوها ، وأموالهم فنهبوها .

وقيل : الابتلاء في الأموال هو ما أصيبوا به من نهب أموالهم وعددهم يوم أحد .

والظاهر أنّ هذا خطاب للمؤمنين بما سيقع من الامتحان في الأموال ، بما يقع فيها من المصائب والذهاب والإنفاق في سبيل الله وفي تكاليف الشرع ، والابتلاء في النفس بالشهوات أو الفروض البدنية أو الأمراض ، أو فقد الأقارب والعشائر ، أو بالقتل والجراحات والأسر ، وأنواع المخاوف أقوال .

وقدم الأموال على الأنفس على سبيل الترقي إلى الأشرف ، أو على سبيل الكثرة .

لأنّ الرّزايا في الأموال أكثر من الرّزايا في الأنفس .

والأذى : اسم جامع في معنى الضرر ، ويشمل أقوالهم في الرسول وأصحابه ، وفي الله تعالى وأنبيائه .

والمطاعن في الدين وتخطئة من آمن ، وهجاء كعب وتشبيه بنساء المؤمنين .

{ وإن تصبروا } على ذلك الابتلاء وذلك السماع .

{ وتتقوا فإن ذلك } أي فإن الصبر والتقوى .

{ من عزم الأمور } قيل : من أشدها وأحسنها .

والعزم : إمضاء الأمر المروّى المنقح .

وقال النقاش : العزم و الحزم بمعنى واحد ، الحاء مبدلة من العين .

قال ابن عطية : وهذا خطأ .

الحزم جودة النظر في الأمر ، ونتيجته الحذر من الخطأ فيه .

والعزم قصد الإمضاء ، والله تعالى يقول : { وشاورهم في الأمر فإذا عزمت } فالمشاورة وما كان في معناها هو الجزم .

والعرب تقول : قد أحزم لو أعزم .

وقال الزمخشري : من عزم الأمور من معزومات الأمور .

أي : مما يجب عليه العزم من الأمور .

أو مما عزم الله أن يكون ، يعني : أن ذلك عزمة من عزمات الله لا بد لكم أن تصبروا وتتقوا .

وقيل : من عزم الأمور من جدها .

وقال مجاهد في قوله : فإذا عزم الأمر ، أي فإذا وجد الأمر