البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَعَلۡنَا فِيهَا جَنَّـٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَٰبٖ وَفَجَّرۡنَا فِيهَا مِنَ ٱلۡعُيُونِ} (34)

وفي هذه الجمل تعدد نعم إحياؤها بحيث تصير مخضرة تبهج النفس والعين ، وإخراج الحب منها حيث صار ما يعيشون به في المكان الذي هم فيه مستقرون ، لا في السماء ولا في الهواء ، وجعل الحبات لأنهم أكلوا من الحب ، وربما تاقت النفس إلى النقلة ، فالأرض يوجد منها الحب ، والشجر يوجد منه المثر ، وتفجير العيون يحصل به الاعتماد على تحصيل الزرع والثمر ، ولو كان من السماء لم يدرأ يغرس ولا أين يقع المطر .

وقرأ جناح بن حبيش : { وفجرنا } بالتخفيف ، والجمهور : بالتشديد .

{ ومن ثمره } بفتحتين ؛ وطلحة ، وابن وثاب ، وحمزة ، والكسائي : بضمتين ؛ والأعمش : بضم الثاء وسكون الميم ؛ والضمير في ثمره عائد على الماء ، قيل : لدلالة العيون عليه ولكونه على حذف مضاف ، أي من ماء العيون ؛ وقيل : على النخيل ، واكتفى به للعلم في اشتراك الأعيان فيما علق به النخيل من أكل ثمره ، أو يراد من ثمر المذكور ، وهو الجنات ، كما قال الشاعر :

فيها خطوط من سواد وبلق *** كأنه في الجلد توليع البهق

فقيل له : كيف قلت بعيون ، كأنه والذي تقدم خطوط ؟ فقال أرت : كان ذاك .

وقيل : عائد إلى التفجير الدال عليه وفجرنا الآية أقرب مذكور ، وعنى بثمرة : فوائده ، كما تقول : ثمرة التجارة الربح .

وقال الزمخشري : وأصله من ثمرنا ، كما قال : { وجعلنا } ، { وفجرنا } ، فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات ،