{ وَجَعَلْنَا فِيها جَنَّاتٍ } : بساتين { مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وفَجَّرْنا فِيهَا } : في الأرض { مِنَ العُيُونِ لِيَأْكُلُوا منْ ثَمَرِهِ } الحاصل بالماء{[46141]} .
قوله : { وَفَجَّرنَا } : العامة على التشديد تكثيراً ؛لأنها{[46142]} مخففة متعدّية ، وقرأ جَنَاحُ بْنُ حبيش بالتخفيف{[46143]} ، والمفعول محذوف على كلتا القراءتين أي : يَنْبُوعاً كما في آية : «سبْحَانَ »{[46144]} .
قوله : { مِن ثَمَرِهِ } قيل : الضمير عائد على النخيل ؛ لأنه أقرب مذكور وكان من حق الضمير أن يثنى{[46145]} على هذا لتقدم{[46146]} شيئين وهما : الأعْنَاب والنَّخِيل إلا أنه اكتفى بذكر أحدهما ، وقيل : يعود{[46147]} على جنات وعاد بلفظ{[46148]} المفرد ذهاباً بالضمير مَذْهَبَ اسم الإشارة{[46149]} كقول رؤبة :
4181- فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبلَقْ . . . كَأَنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ{[46150]}
فقيل له :{[46151]} ، فقال : أردت كأن ذاك وتلك ، وقيل : عائد على الماء المدلول عليه بعيون{[46152]} . وقيل : بل عاد عليه لأنه مقدر أي من العيون . ويجوز أن يعود على العيون . ويعتذر عن إفراده بما تقدم في عوده على جنات ، ويجوز أن يعود على الأعناب والنخيل معاً ويعتذر عنه بما تقدم{[46153]} أيضاً . وقال الزمخشري وأصله من «ثَمَرِنَا » لقوله{[46154]} : { وفَجَّرْنَا } و «أَيْدِينَا »{[46155]} فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات{[46156]} . والمعنى ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر . فعلى هذا يكون الضمير عائداً على الله تعالى ؛ ولذلك فسر معناه بما ذكر{[46157]} ، وتقدمت هذه القراءات في هذه اللفظ في سورة{[46158]} الأَنْعَام .
قوله : { وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ } في «ما » هذه أربعة أوجه :
أحدها : أنها موصولة{[46159]} أي :ومن الذي عملته أيديهم من الغَرْس والمُعَالَجَة . وفيه تجوز{[46160]} على هذا .
والثاني : أنها نافية{[46161]} أي : لم يعلموه هم بل الفاعل له هو الله سبحانه وتعالى ، أي : وجدوها معمولة ولا صنع لهم فيها . وهو قول الضحاك ومقاتل . وقيل : أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يدُ{[46162]} خلقٍ مثل الدِّجْلة والفرات والنيل ونحوها . وقرأ الأخوان وأبو بكر بحذف الهاء{[46163]} . والباقون : وما عملته بإثباتها . فإن كانت «ما » موصولة فعلى قراءة الأخوين وأبي بكر حذف العائد كما حذف في قوله : { أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً } [ الفرقان : 41 ] بالإجماع وعلى قراءة غيرهم جيء به على الأصل ، وإن كانت نافيةً فعلى قراءة الأخوين وأبي بكر لا ضمير مقدر ولكن المفعول محذوف أي : ما عَمِلَتْ أيْدِيهم شَيْئاً من{[46164]} ذلك وعلى قراءة غيرهم الضمير يعود على { ثَمَرِهِ } وهي مرسومة بالهاء في غير مصاحف الكوفة وبحذفها فيما{[46165]} عداها ، فالأخوان{[46166]} وأبو بكر وافقوا مصاحفهم والباقون غير حفص وافقو ( ها ){[46167]} أيضاً وحفص خالف مصحفه وهذا يدل على أن القراءة متلقاةٌ من أفواه الرجال فيكون عاصم قد أقرأها لأبي ( بكر ){[46168]} بالهاء ولحفص بدونها .
الثالث : أنها{[46169]} نكرة موصوفة{[46170]} والكلام فيها كالكلام{[46171]} في الموصولة .
والرابع : أنها مصدرية أي ومن عمل{[46172]} أيديهم والمصدر واقع موقع المفعول به فيعود المعنى إلى معنى الموصولة{[46173]} أو الموصوفة .
إذا قلنا : «ما » موصولة يحتمل أن يكون المعنى :وما عملته أيديهم بالتِّجَارة كأنه ذكر نَوْعَيْ ما يأكل الإنسان وهما الزراعة والتجارة ( أ ) و{[46174]}من النبات ما يؤكل من غير عمل الأيدي كالعِنَبِ والتَّمْر وغيرهما ومنه ما يعمل فيه عمل فيؤكل كالأشياء التي لا تؤكل إلا مطبوخة أو كالزيتون الذي لا يؤكل إلا بعد إصلاح{[46175]} ثم لما عدد النعم أشار إلى الشكر بقوله : { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } وذكر بصيغة الاستفهام لما تقدم في فوائد الاستفهام{[46176]} . قوله : { سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا } أي : الأصناف و { سبحان }عَلَمٌ دال على التسبيح تقديره : سُبِّح تَسْبِيحَ الِّذِي خلق الأزواج .
ومعنى ( سبح ) :{[46177]} نَزَّهَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.