فأولى لهم ، قال صاحب الصحاح : قول العرب أولى لك : تهديد وتوعيد ، ومنه قول الشاعر :
فأولى ثم أولى ثم أولى *** وهل للدار يحلب من مرد
انتهى . واختلفوا ، أهو اسم أو فعل ؟ فذهب الأصمعي إلى أنه بمعنى قاربه ما يهلكه ، أي نزل به ، وأنشد :
تعادى بين هاديتين منها *** وأولى أن يزيد على الثلاث
أي : قارب أن يزيد . قال ثعلب : لم يقل أحد في أولى أحسن مما قال الأصمعي . وقال المبرد : يقال لمن هم بالعطب ، كما روي أن أعرابياً كان يوالي رمي الصيد فينفلت منه فيقول : أولى لكرمي صيداً فقاربه ثم أفلت منه ، وقال :
فلو كان أولى يطعم القوم صيدهم *** ولكن أولى يترك القوم جوّعا
والأكثرون على أنه اسم ، فقيل : هو مشتق من الولي ، وهو القرب ، كما قال الشاعر :
تكلفني ليلى وقد شط وليها *** وعادت عواد بيننا وخطوب
وقال الجرجاني : هو ما حول من الويل ، فهو أفعل منه ، لكن فيه قلب .
كان المؤمنون حريصين على ظهور الإسلام وعلو كلمته وتمني قتل العدو ، وكانوا يستأنسون بالوحي ، ويستوحشون إذا أبطأ .
والله تعالى قد جعل ذلك باباً ومضروبة لا يتعدى .
فمدح تعالى المؤمنين بطلبهم إنزال سورة ، والمعنى تتضمن أمرنا بمجاهدة العدو ، وفضح أمر المنافقين .
والظاهر أن ظاني ذلك هم خلص في إيمانهم ، ولذلك قال بعد { رأيت الذين في قلوبهم مرض } .
وقال الزمخشري : كانوا يدعون الحرص على الجهاد ، ويتمنونه بألسنتهم ، ويقولون : { لولا نزلت سورة } في معنى الجهاد .
{ فإذا أنزلت } ، وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه ، كاعوا وشق عليهم وسقطوا في أيديهم ، كقوله : { فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس } انتهى ؛ وفيه تخويف لما يدل عليه لفظ القرآن و { لولا } : بمعنى هلا ؛ وعن أبي مالك : لا زائدة ، والتقدير : لو نزلت ، وهذا ليس بشيء .
وقرأ زيد بن علي : سورة محكمة ، بنصبهما ، ومرفوع نزلت بضم ، وسورة نصب على الحال .
وقرأ هو وابن عمر : { وذكر } مبنياً للفاعل ، أي الله .
الجمهور : برفع سورة محكمة على أنه مفعول لم يسم فاعله ، وبناء وذكر للمفعول ، والقتال رفع به ، وإحكامها كونها لا تنسخ .
قال قتادة : كل سورة فيها القتال ، فهي محكمة من القرآن ، لا بخصوصية هذه الآية ، وذلك أن القتال نسخ ما كان من المهادنة والصلح ، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة .
وقيل : محكمة بالحلال والحرام .
وقيل : محكمة أريدت مدلولات ألفاظها على الحقيقة دون المتشابه الذي أريد به المجاز ، نحو قوله : { على العرش استوى } { في جنب الله } { فضرب الرقاب } .
{ رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك } : أي تشخص أبصارهم جبناً وهلعاً .
{ نظر المغشي عليه } : أي نظراً كما ينظر من أصابته الغشية من أجل حلول الموت .
وقيل : يفعلون ذلك ، وهو شخوص البصر إلى الرسول من شدة العداوة .
وقيل : من خشية الفضيحة ، فإنهم إن يخالفوا عن القتال افتضحوا وبان نفاقهم .
وأولى لهم : تقدم شرحه في المفردات .
وقال قتادة : كأنه قال : العقاب أولى لهم .
وقيل : وهم المكروه ، وأولى وزنها أفعل أو أقلع على الاختلاف ، لأن الاستفعال الذي ذكرناه في المفردات .
فعلى قول الجمهور : إنه اسم يكون مبتدأ ، والخبر لهم .
وقيل : أولى مبتدأ ، ولهم من صلته وطاعة خبر ؛ وكأن اللام بمعنى الباء ، كأنه قيل : فأولى بهم طاعة .
ولم يتعرض الزمخشري لإعرابه ، وإنما قال : ومعناه الدعاء عليهم بأن يليه المكروه .
وعلى قول الأصمعي : أنه فعل يكون فاعله مضمراً يدل عليه المعنى .
وأضمر لكثرة الاستعمال كأنه قال : قارب لهم هو ، أي الهلاك .
قال ابن عطية : والمشهور من استعمال العرب أولى لك فقط على جهة الحذف والاختصار ، لما معها من القوة ، فيقول ، على جهة الزجر والتوعد : أولى لك يا فلان .
ومنه قوله : { أولى لك فأولى } وقول الصديق للحسن رضي الله عنهما : أولى لك انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.