البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

الأشراط : العلامات ، واحدها شرط ، بسكون الراء وبفتحها . قال أبو الأسود :

فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا *** فقد جعلت أشراط أوله تبدو

وأشرط الرجل نفسه : ألزمها أموراً . قال أوس بن حجر :

فأشرط فيها نفسه وهو معصم *** فألقى بأسباب له وتوكلا

{ أن يأتيهم } : بدل اشتمال من الساعة ، والضمير للمنافقين ؛ أي الأمر الواقع في نفسه انتظار الساعة ، وإن كانوا هم في أنفسهم ينتظرون غير ذلك ؛ لأن ما في أنفسهم غير مراعى ، لأنه باطل .

وقرأ أبو جعفر الرواسي عن أهل مكة : { أن تأتهم } على الشرط ، وجوابه : { فقد جاء أشراطها } ، وهذا غير مشكوك فيه ، لأنها آتية لا محالة .

لكن خوطبوا بما كانوا عليه من الشك ، ومعناه : إن شككتم في إثباتها فقد جاء أعلامها ؛ فالشك راجع إلى المخاطبين الشاكين .

وقال الزمخشري : فإن قلت : فما جزاء الشرط ؟ قلت : قولهم : { فأنى لهم } ، ومعناه : أن تأتيهم الساعة ، فكيف لهم ذكراهم ، أي تذكرهم واتعاظهم ؟ إذا جاءتهم الساعة يعني لا تنفعهم الذكرى حينئذ لقوله : { يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى } فإن قلت : بم يتصل قوله ، وقد جاء أشراطها على القراءتين ؟ قلت : بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول كقولك : إن أكرمني زيد فأنا حقيق بالإكرام أكرمه .

وقرأ الجعفي ، وهرون ، عن أبي عمرو : { بغتة } ، بفتح الغين وشد التاء .

قال صاحب اللوامح : وهي صفة ، وانتصابها على الحال لا نظير لها في المصادر ولا في الصفات ، بل في الأسماء نحو : الحرية ، وهو اسم جماعة ، والسرية اسم مكان . انتهى .

وكذا قال أبو العباس بن الحاج ، من أصحاب الأستاذ أبي علي الشلوبين ، في ( كتاب المصادر ) على أبي عمرو : أن يكون الصواب بغتة ، بفتح الغين من غير تشديد ، كقراءة الحسن فيما تقدم . انتهى .

وهذا على عادته في تغليظ الرواية .

{ فقد جاء أشراطها } : أي علاماتها ، فينبغي الاستعداد لها .

ومن أشراط الساعة مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ هو خاتم الأنبياء .

وروي عنه أنه قال : « أنا من أشراط الساعة » وقال : « بعثت أنا والساعة كهاتين وكفرسي رهان » وقيل : منها الدخان وانشقاق القمر .

وعن الكلبي : كثرة المال ، والتجارة ، وشهادة الزور ، وقطع الأرحام ، وقلة الكرام ، وكثرة اللئام .

{ فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم } : الظاهر أن المعنى : فكيف لهم الذكرى والعمل بها إذا جاءتهم الساعة ؟ أي قد فاتها ذلك .

قيل : ويحتمل أن يكون المبتدأ محذوفاً ، أي : فأنى لهم الخلاص إذا جاءتهم الذكرى بما كانوا يخبرون به فيكذبون به بتواصله بالعذاب ؟