البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِيهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرُۢ} (120)

{ لله ملك السموات والأرض وما فيهنّ وهو على كل شيء قدير } لما ادّعت النصارى في عيسى وأمه الألوهية اقتضت الدعوى أن يكونا مالكين قادرين فردّ الله عليهم .

قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة ، ويحتمل أن يكون مقطوعاً من ذلك مخاطباً به محمداً صلى الله عليه وسلم وأمّته ؛ انتهى .

وقيل : هذا جواب سائل من يعطيهم { ذلك الفوز العظيم } فقيل الذي له ملك السموات والأرض .

وقال الزمخشري ( فإن قلت ) : ما في السموات والأرض العقلاء وغيرهم ، فهل غلب العقلاء فقيل ومن فيهنّ ، ( قلت ) : ما تتناول الأجناس كلها تناولاً عامًّا ألا تراك تقول : إذا رأيت شبحاً من بعيد ما هو قبل أن تعرف أعاقل هو أم غير عاقل ؟ فكان أولى بإرادة العموم ؛ انتهى كلامه .

وقال أبو عبد الله الرازي : غلب غير العقلاء تنبيهاً على أن كل المخلوقات مسخرين في قبضة قهره وقدره وقضائه وقدرته وهم في ذلك التسخير كالجمادات التي لا قدرة لها وكالبهائم التي لا عقل لها ، فعل الكل بالنسبة إلى علمه كلا علم وقدرة الكل بالنسبة إلى قدرته كلا قدرة وقال أيضاً : مفتتح السورة ، كان بذكر العهد المنعقد بين الربوبية والعبودية ، فيشرع العبد في العبودية وينتهي إلى الفناء المحض عن نفسه بالكلية ، فالأول هو الشريعة وهو البداية ، والآخر هو الحقيقة وهو النهاية فمفتتح السورة من الشريعة ومختتمها بذكر الله عز وجل وكبريائه تعالى وعزته وقهره وعلوه ، وذلك هو الوصول إلى مقام الحقيقة فما أحسن المناسبة بين ذلك المفتتح وهذا المختتم ؛ انتهى كلامه ، وليست الحقيقة والشريعة والتمييز بينهما لا من كلام الصحابة رضي الله عنهم ولا من كلام التابعين ، وإنما ذلك من ألفاظ الصوفية واصطلاحاتهم ولهم في ذلك كلام طويل والله أعلم بالصواب .