اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِيهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرُۢ} (120)

ثم قال - تبارك وتعالى - مُعَظِّماً لِنَفْسِهِ : { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

قيل : إنَّ هذا جواب عن سُؤالٍ مُقَدَّرٍ ، كأنَّهُ قيل : من يُعْطِيهِمْ ذلك الفَوْز العَظِيم ، فقيل : الذي لَهُ مُلْك السماواتِ والأرْضِ .

قال القرطبي : جاء هذا عقب ما جرى من دعوى النصارى في عيسى أنه إله فأخبر تعالى أن ملك السماوات والأرض له دون عيسى ودون سائر المخلوقين ، ويجوز أن يكون المعنى أن الذي له ملك السماوات والأرض يعطي الجنات المتقدم ذكرها للمطيعين من عباده .

واعلم : أنَّهُ - تبارك وتعالى - قال : " ومَا فِيهِنَّ " ولم يَقُلْ : مَنْ فيهِنَّ ، فَغَلَّبَ غَيْرَ العُقَلاَءِ على العُقَلاَءِ لفائِدَةٍ وهي : التنْبِيهُ على أنَّ كُلَّ المَخْلُوقَاتِ مُسَخَّرُون في قَبْضَةِ قَهْرِهِ وقُدْرَتِهِ وقَضَائِهِ وقدرِه ، وهُمْ في ذلك التَّسْخِيرِ كالجَمَادَاتِ الَّتِي لا قُدْرَةَ لَهَا ، وكالْبَهَائِمِ الَّتِي لا عَقْلَ لَهَا ، فعلْمُ الكُلِّ بالنِّسْبَةِ إلى عِلْمِه كَلاَ عِلْم ، وقُدْرَةُ الكُلِّ بالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِهِ كَلاَ قُدْرَة .

ختام السورة:

رُوِي أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سُورة المائدةِ في خُطْبَتِهِ يَوْمِ حجَّة الوَدَاع ، وقال : " يا أيُّهَا النَّاسُ : إنَّ سُورة المائدةِ من آخِرِ القُرْآنِ نُزُولاً ، فأحِلُّوا حَلاَلَهَا وحَرِّمُوا حَرَامَهَا " {[1]} .

وقال عَبْدُ الله بنُ عُمَر : أنْزِلَتْ على رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سُورَةُ المَائِدةِ وهُو عَلَى راحِلَتِهِ ، فَلمْ تَسْتَطِعْ أن تَحْمِلَهُ حَتَّى نَزَلَ عَنْهَا{[2]} .

وعن أبيِّ بن كَعْبٍ قال : قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرأ سُورَةَ المائِدةِ أعْطِيَ مِنَ الأجْرِ بِعَدَدِ كُلِّ يَهُوديٍّ ونَصْرَانِيٍّ يَتَنَفَّسُ في دَارِ الدُّنْيَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، ورُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ " {[3]} واللَّهُ - تبارك وتعالى - أعلمُ بالصَّوَاب .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.