البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

{ انظرونا } : أي انتظرونا ، لأنهم لما سبقوكم إلى المرور على الصراط ، وقد طفئت أنوارهم ، قالوا ذلك .

قال الزمخشري : { انظرونا } : انتظرونا ، لأنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة على ركاب تذف بهم وهؤلاء مشاة ، أو انظروا إلينا ، لأنهم إذا انظروا إليهم استقبلوهم بوجوهم والنور بين أيديهم فيستضيئون به .

انتهى .

فجعل انظرونا بمعنى انظروا إلينا ، ولا يتعدى النظر هذا في لسان العرب إلا بإلى لا بنفسه ، وإنما وجد متعدياً بنفسه في الشعر .

وقرأ زيد بن علي وابن وثاب والأعمش وطلحة وحمزة : أنظرونا من أنظر رباعياً ، أي أخرونا ، أي اجعلونا في آخركم ، ولا تسبقونا بحيث تفوتوننا ، ولا نلحق بكم .

{ نقتبس من نوركم } : أي نصب منه حتى نستضيء به .

ويقال : اقتبس الرجل واستقبس : أخذ من نار غيره قبساً .

{ قيل ارجعوا وراءكم } : القائل المؤمنون ، أو الملائكة .

والظاهر أن { وراءكم } معمول لارجعوا .

وقيل : لا محل له من الأعراب لأنه بمعنى ارجعوا ، كقولهم : وراءك أوسع لك ، أي ارجع تجد مكاناً أوسع لك .

وارجعوا أمر توبيخ وطرد ، أي ارجعوا إلى الموقف حيث أعطينا الفوز فالتمسوه هناك ، أو ارجعوا إلى الدنيا والتمسوا نوراً ، أي بتحصيل سببه وهو الإيمان ، أو تنحوا عنا ، { فالتمسوا نوراً } غير هذا فلا سبيل لكم إلى الاقتباس منه .

وقد علموا أن لا نور وراءهم ، وإنما هو إقناط لهم .

{ فضرب بينهم } : أي بين المؤمنين والمنافقين ، { بسور } : بحاجز .

قال ابن زيد : هو الأعراف .

وقيل : حاجز غيره .

وقرأ الجمهور : فضرب مبنياً للمفعول ؛ وزيد بن علي وعبيد بن عمير : مبنياً للفاعل ، أي الله ، ويبعد قول من قال : إن هذا السور هو الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس ، وهو مروي عن عبادة بن الصامت وابن عباس وعبد الله بن عمر وكعب الأحبار ، ولعله لا يصح عنهم .

والسور هو الحاجز الدائر على المدينة للحفظ من عدو .

والظاهر في باطنه أن يعود الضمير منه على الباب لقربه .

وقيل : على السور ، وباطنه الشق الذي لأهل الجنة ، وظاهره ما يدانيه من قبله من جهته العذاب .