البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المجادلة

هذه السورة مدنية . قال الكلبي : إلا قوله :{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } . وعن عطاء : العشر الأول منها مدني وباقيها مكي .

قرأ الجمهور : { قد سمع } بالبيان ؛ وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن : بالإدغام ، قال خلف بن هشام البزار : سمعت الكسائي يقول : من قرأ قد سمع ، فبين الدال عند السين ، فلسانه أعجمي ليس بعربي ، ولا يلتفت إلى هذا القول ؛ فالجمهور على البيان .

والتي تجادل خولة بنت ثعلبة ، ويقال بالتصغير ، أو خولة بنت خويلد ، أو خولة بنت حكيم ، أو خولة بنت دليج ، أو جميلة ، أو خولة بنت الصامت ، أقوال للسلف .

وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه النازلة أوس بن الصامت أخو عبادة .

" وقيل : سلمة بن صخر البياضي ظاهر من امرأته .

قالت زوجته : يا رسول الله ، أكل أوس شبابي ونثرت له بطني ، فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني ، فقال لها : " ما أراك إلا قد حرمت عليه " ، فقالت : يا رسول الله لا تفعل ، فإني وحيدة ليس لي أهل سواه ، فراجعها بمثل مقالته فراجعته ، فهذا هو جدالها ، وكانت في خلال ذلك تقول : اللهم إن لي منه صبية صغاراً ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا .

فهذا هو اشتكاؤها إلى الله ، فنزل الوحي عند جدالها " .

قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : سبحان من وسع سمعه الأصوات .

كان بعض كلام خولة يخفى عليّ ، وسمع الله جدالها ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوس وعرض عليه كفارة الظهار : «العتق » ، فقال : ما أملك ، و«الصوم » ، فقال : ما أقدر ، و«الاطعام » ، فقال : لا أجد إلا أن تعينني ، فأعانه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً ودعا له ، فكفر بالإطعام وأمسك أهله .

وكان عمر ، رضي الله تعالى عنه ، يكرم خولة إذا دخلت عليه ويقول : قد سمع الله لها .

وقال الزمخشري : معنى قد : التوقع ، لأنه صلى الله عليه وسلم والمجادلة كانا متوقعين أن يسمع الله مجادلتها وشكواها ، وينزل في ذلك ما يفرج عنها . انتهى .