البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (63)

{ أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربّكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلّكم ترحمون } يتضمّن قولهم { إنّا لنراك في ضلال مبين } استبعادهم واستمحالهم ما أخبرهم به من خوف العذاب عليهم وأنه بعثه الله إليهم بعبادته وحده ورفض آلهتهم وتعجبوا من ذلك ، وقال أبو عبد الله الرازي سبب استبعادهم إرسال نوح والهمزة للإنكار والتوبيخ أي هذا مما لا يعجب منه إذ له تعالى ، التصرّف التام بإرسال من يشاء لمن يشاء ، قال الزمخشري : الواو للعطف والمعطوف محذوف كأنه قيل أو كذبتم وعجبتم أن جاءكم انتهى ، وهو كلام مخالف لكلام سيبويه والنّحاة لأنّهم يقولون : إنّ الواو لعطف ما بعدها على ما قبلها من الكلام ولا حذف هناك وكأنّ الأصل وأعجبتم لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام فقدّمت على حروف العطف لأنّ الاستفهام له صدر الكلام وقد تقدّم الكلام معه في نظير هذه المسألة وقد رجع هو عن هذا إلى قول الجماعة والذكر الوعظ أو الوحي أو المعجز أو كتاب معجز أو البيان أقوال والأولى أن يكون قوله { على رجل } فيه إضمار أي على لسان رجل كما قال { ما وعدتنا على رسلك } ، وقيل : { على } بمعنى مع ، وقيل : لا حذف ولا تضمين في الحرف بل قوله { على رجل } هو على ظاهره لأن { جاءكم } بمعنى نزل إليكم كانوا يتعجبون من نبوّة نوح ويقولون ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين يعنون إرسال البشر { ولو شاء ربّنا لأنزل ملائكة } وذكر عليه المجيء وهو الإعلام بالمخوف والتحذير من سوء عاقبة الكفر ووجود التقوى منهم ورجاء الرّحمة وكأنها علة مترتبة فجاءكم الذكر للإنذار بالمخوف والإنذار بالمخوف لأجل وجود التقوى منهم ووجود التقوى لرجاء الرحمة وحصولها فعلل المجيء بجميع هذه العلل المترتبة لأنّ المترتب على السبب سبب .