روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (63)

{ أوعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ } رد لما هو منشأ لقولهم : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ } [ الأعراف : 60 ] والاستفهام للإنكار أي لم كان ذلك ولا داعي له . والواو للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام ، ويقدر عند الزمخشري وأتباعه بين الهمزة وواو العطف كأنه قيل : استبعدتم وعجبتم . ومذهب سيبويه والجمهور أن الهمزة من جملة أجزاء المعطوف إلا أنها قدمت على العاطف تنبيهاً على أصالتها في التصدير . وضعف قول الأولين بما فيه من التكلف لدعوى حذف الجملة فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال : إنه أسهل منه لأن المتجوز فيه أقل لفظاً . وفيه تنبيه على أصالة شيء في شيء وبأنه غير مطرد في نحو { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] . وتحقيقه في محله و { أَن جَاءكُمْ } بتقدير بأن لأن الفعل السابق يتعدى بها ؛ والمراد بالذكر ما أرسل به كما قيل للقرآن ذكر ويفسر بالموعظة . ومن للابتداء والجار والمجرور متعلق بجاء أو بمحذوف وقع صفة لذكر أي ذكر كائن من مالك أموركم ومربيكم .

{ على رَجُلٍ مّنكُمْ } أي من جملتكم تعرفون مولده ومنشأه أو من جنسكم فمن تبعيضية أو بيانية كما قيل و { على } متعلقة بجاء بتقدير مضاف أي على يد أو لسان رجل منكم أي بواسطته ، وقيل : على بمعنى مع فلا حاجة إلى التقدير ، وقيل : تعلقه به لأن معناه أنزل كما يشير إليه كلام أبي البقاء أو لأنه ضمن معناه ، وجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف وقع حالاً من { ذُكِرَ } أي نازلاً على رجل منكم .

{ لِيُنذِرَكُمْ } علة للمجىء أي ليحذركم العذاب والعقاب على الكفر والمعاصي { وَلِتَتَّقُواْ } عطف على { لِيُنذِرَكُمْ } وكذا قوله تعالى : { وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } على ما هو الظاهر فالمجىء معلل بثلاثة أشياء وليس من توارد العلل على معلول واحد الممنوع وبينها ترتب في نفس الأمر فإن الإنذار سبب للتقوى والتقوى سبب لتعلق الرحمة بهم ، وليس في الكلام دلالة على سببية كل من الثلاثة لما بعده ولو أريدت السببية لجيء بالفاء . وبعضهم اعتبر عطف { ولتتقوا } على { مّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } و { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } على { ولتتقوا } مع ملاحظة الترتب أي لتتقوا بسبب الإنذار ولعلكم ترحمون بسبب التقوى فليتأمل . وجىء بحرف الترجي على عادة العظماء في وعدهم أو للتنبيه على عزة المطلب وأن الرحمة منوطة بفضل الله تعالى فلا اعتماد إلا عليه .