غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (63)

59

{ أو عجبتم } الهمزة للإنكار ، والمعطوف محذوف والتقدير : أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر من ربكم . قال الحسن : يعني الوحي الذي جاءهم به . وقال آخرون : الذكر المعجز كتاباً أو غير كتاب . وقيل : هو الموعظة { على رجل } أي على لسانه قاله ابن قتيبة ونظيره { آتنا ما وعدتنا على رسلك } [ آل عمران : 194 ] وقال الفراء «على » معنى «مع » تقول : جاءنا الخبر على وجهك ومع وجهك كلاهما جائز . وقيل : أي منزل على رجل . ومعنى { منكم } من بني نوعكم كأنهم استبعدوا أن يكون لله رسول إلى خلقه لاعتقادهم أن المقصود من الإرسال التكليف ، وأن التكليف لا منفعة فيه للمعبود لتعاليه ولا للعابد لتضرره في الحال ، وأما في المآل فالله تعالى قادر على تحصيله بدون واسطة التكليف . وأيضاً إن العقل كافٍ في معرفة الحسن والقبيح ، وما لا يعلم حسنه ولا قبحه فإن كان المكلف مضطراً إليه فعل لأنه تعالى لا يكلف ما لا يطاق ، وإن لم يكن مضطراً إليه ترك حذراً عن الخطر وبتقدير أنه لا بد من الرسول فإن إرسال الملائكة أولى لشدة بطشهم ووفور عصمتهم وطهارتهم واستغنائهم عن الأكل والشرب والنكاح ، وبتقدير جواز كون النبي من البشر فلعلهم اعتقدوا أن من كان فقيراً خاملاً لا يصلح للنبوّة فأنكر نوح عليه السلام كل هذه الأشياء لأنه تعالى خالق الخلق فله بحكم الإلهية أن يأمر عباده ببعض الأشياء وينهاهم عن بعضها ، ولا يجوز أن يخاطبهم بتلك التكاليف من غير واسطة لأن ذلك ينتهي إلى حد الإلجاء المنافي للتكليف ، ولا يجوز أن يكون ذلك الرسول ملكاً لأن الجنس إلى الجنس أسكن وقد مر في أوّل «الأنعام » .

ثم بين ما لأجله يبعث الرسول فقال { لينذركم } الآية . وإنه ترتيب أنيق لأن المقصود من البعثة الإنذار ، ومن الإنذار التقوى ، ومن التقوى الفوز برحمة الله . قال الجبائي والكعبي : في الآية دلالة على أنه تعالى لم يرد من المبعوث إليهم إلا التقوى والفوز بالجنة دون الكفر والعذاب ، وعورض بالعلم والداعي كما مر مراراً .