البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

اللبد ، جمع لبدة : وهو تراكم بعضه فوق بعض ، ومنه لبدة الأسد . ويقال للجراد الكثير المتراكم : لبد ، ومنه اللبد الذي يفرش ، يلبد صوفه : دخل بعضه في بعض .

وقرأ الجمهور : { وأنه لما قام عبد الله } بفتح الهمزة ، عطفاً على قراءتهم { وأن المساجد } بالفتح .

وقرأ ابن هرمز وطلحة ونافع وأبو بكر .

بكسرها على الاستئناف ؛ وعبد الله هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { يدعوه } : أي يدعو الله { كادوا } : أي كاد الجن ، قال ابن عباس والضحاك : ينقضون عليه لاستماع القرآن .

وقال الحسن وقتادة : الضمير في { كادوا } لكفار قريش والعرب في اجتماعهم على رد أمره .

وقال ابن جبير : المعنى أنها قول الجن لقومهم يحكمون ، والضمير في { كادوا } لأصحابه الذين يطوعون له ويقيدون به في الصلاة .

قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل رسول الله أو النبي ؟ قلت : لأن تقديره وأوحي إليّ أنه لما قام عبد الله ، فلما كان واقعاً في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه ، جيء به على ما يقتضيه التواضع والتذلل ؛ أو لأن المعنى أن عبادة عبد الله لله ليست بأمر مستعبد عن العقل ولا مستنكر حتى يكونوا عليه لبداً .

ومعنى قام يدعوه : قام يعبده ، يريد قيامه لصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن ، فاستمعوا لقراءته عليه السلام .

{ كادوا يكونون عليه لبداً } : أي يزدحمون عليه متراكمين ، تعجباً مما رأوا من عبادته ، واقتداء أصحابه به قائماً وراكعاً وساجداً ، وإعجاباً بما تلا من القرآن ، لأنهم رأوا ما لم يروا مثله ، وسمعوا بما لم يسمعوا بنظيره .

انتهى ، وهو قول متقدم كثره الزمخشري بخطابته .

وقرأ الجمهور : { لبداً } بكسر اللام وفتح الباء جمع لبدة ، نحو : كسرة وكسر ، وهي الجماعات شبهت بالشيء المتلبد بعضه فوق بعض ، ومنه قول عبد مناف بن ربيع :

صافوا بستة أبيات وأربعة *** حتى كأن عليهم جانباً لبداً

وقال ابن عباس : أعواناً .

وقرأ مجاهد وابن محيصن وابن عامر : بخلاف عنه بضم اللام جمع لبدة ، كزبرة وزبر ؛ وعن ابن محيصن أيضاً : تسكين الباء وضم اللام لبداً .

وقرأ الحسن والجحدري وأبو حيوة وجماعة عن أبي عمرو : بضمتين جمع لبد ، كرهن ورهن ، أو جمع لبود ، كصبور وصبر .

وقرأ الحسن والجحدري : بخلاف عنهما ، لبداً بضم اللام وشد الباء المفتوحة .

قال الحسن وقتادة وابن زيد : لما قام الرسول للدعوة ، تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره .

انتهى .

وأبعد من قال عبد الله هنا نوح عليه السلام ، كاد قومه يقتلونه حتى استنقذه الله منهم ، قاله الحسن .

وأبعد منه قول من قال إنه عبد الله بن سلام .