البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

{ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين } : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع ، وضرب عبد الله بن أبيّ عسكره أسفل منها ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار تخلف عنه عبد الله فيمن تخلف فنزلت بعرى الله ورسوله إلى قوله : وهم كارهون .

وفيكم أي : في جيشكم أو في جملتكم .

وقيل : في بمعنى مع .

قال ابن عباس : الخبال الفساد ومراعاة إخماد الكلمة .

وقال الضحاك : المكر والغدر .

وقال ابن عيسى : الاضطراب .

وقال الكلبي : الشر ، وقاله : ابن قتيبة .

وقيل : إيقاع الاختلاف والأراجيف ، وتقدّم شرح الخبال في آل عمران .

وهذا الاستثناء متصل وهو مفرغ ، إذ المفعول الثاني لزاد لم يذكر ، وقد كان في هذه الغزوة منافقون كثير ، ولهم لا شك خبال ، فلو خرج هؤلاء لتألبوا فزاد الخبال .

وقال الزمخشري : المستثنى منه غير مذكور ، فالاستثناء من أعم العام الذي هو الشيء ، فكان هو استثناء متصلاً لأنّ بعض أعم العام ، كأنه قيل : ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً .

وقيل : هو استثناء منقطع ، وهذا قول من قال : إنه لم يكن في عسكر الرسول خبال .

فالمعنى : ما زادوكم قوة ولا شدة لكن خبالاً .

وقرأ ابن أبي عبلة : ما زادوكم بغير واو ، ويعني : ما زادكم خروجهم إلا خبالاً .

والإيضاع الإسراع قال :

أرانا موضعين لأمر غريب *** ونسحر بالطعام وبالشراب

ويقال : وضعت الناقة تضع وضعاً ووضوعاً قال :

يا ليتني فيها جذع *** أخب فيها وأضع

قال الحسن : معناه لأسرعوا بالنميمة .

وقرأ محمد بن القاسم : لأسرعوا بالفرار .

ومفعول أوضعوا محذوف تقديره : ولأوضعوا ركائبكم بينكم ، لأن الراكب أسرع من الماشي .

وقرأ مجاهد ومحمد بن زيد : ولأوفضوا أي أسرعوا كقوله : { إلى نصيب يوفضون } وقرأ ابن الزبير : ولأرفضوا بالراء من رفض أسرع في مشيه رفضاً ورفضاناً قال حسان :

بزجاجة رفضت بما في جوفها *** رفض القلوص براكب مستعجل

وقال غيره :

والرافضات إلى منى فالقبقب *** والخلاف جمع الخلل ، وهو الفرجة بين الشيئين .

وقال الأصمعي : تخللت القوم دخلت بين خللهم وخلالهم ، وجلسنا خلال البيوت وخلال الدور أي : بينها ، ويبغون حال أي : باغين .

قال الفراء : يبغونها لكم .

والفتنة هنا الكفر قاله : مقاتل ، وابن قتيبة ، والضحاك .

أو العيب والشر قاله : الكلبي .

أو تفريق الجماعة أو المحنة باختلاف الكلمة أو النميمة .

وقال الزمخشري : يحاولون أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم ، ويفسدوا نياتكم في مغزاكم .

وفيكم سماعون لهم أي : ضامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم ، أو فيكم قوم يستمعون للمنافقين ويطيعونهم انتهى .

فاللام في القول الأول للعليل ، وفي الثاني لتقوية التعدية كقوله : { فعال لما يريد } والقول الأول قاله : سفيان بن عيينة ، والحسن ، ومجاهد ، وابن زيد ، قالوا : معناه جواسيس يستمعون الأخبار وينقلونها إليهم ، ورجحه الطبري .

والقول الثاني قول الجمهور قالوا : معناه وفيكم مطيعون سماعون لهم .

ومعنى وفيكم في خلالكم منهم ، أو منكم ممن قرب عهده بالإسلام .

والله عليم بالظالمين يعم كل ظالم .

ومعنى ذلك : أنه يجازيه على ظلمه .

واندرج فيه من يقبل كلام المنافقين ، ومن يؤدي إليهم أخبار المؤمنين ، ومن تخلف عن هذه الغزاة من المنافقين .