البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (49)

{ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } : نزلت في الجد بن قيس ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بالغزو إلى بلاد الروم حرض الناس فقال للجد بن قيس : « هل لك العام في جلاد بني الأصفر » وقال له وللناس : « اغزوا تغنموا بنات الأصفر » فقال الجد : ائذن لي في التخلف ولا تفتني بذكر بنات الأصفر ، فقد علم قومي أني لا أتمالك عن النساء إذا رأيتهم وتفتني ، ولا تفتني بالنساء .

هو قول ابن عباس ومجاهد وابن زيد .

وقيل : ولا تفتني أي ولا تصعب عليّ حتى احتاج إلى مواقعة معصيتك فسهِّل عليّ ، ودعني غير مختلج .

وقال قريباً منه الحسن وقتادة والزجاج قالوا : لا تكسبني الإثم بأمرك إياي بالخروج وهو غير متيسر لي ، فآثم بمخالفتك .

وقال الضحاك : لا تكفرني بإلزامك الخروج معك .

وقال ابن بحر : لا تصرفني عن شغلي معك هلك مالي وعيالي .

وقيل : إنه قال : ولكنْ أعينك بمالي .

ومتعلق الإذن محذوف تقديره : في القعود وفي مجاورته الرسول صلى الله عليه وسلم على نفاقه .

وقرأ ورش : بتخفيف همزة إئذن لي بإبدالها واواً لضمة ما قبلها .

وقال النحاس ما معناه : إذا دخلت الواو أو الفاء على أأئذن ، فهجاؤها في الخط ألف وذال ونون بغير ياء ، أو ثم فالهجاء ألف وياء وذال ونون ، والفرق أنَّ ثم يوقف عليها وتنفصل بخلافهما .

وقرأ عيسى بن عمرو : لا تفتني بضم التاء الأولى من أفتن .

قال أبو حاتم هي لغة تميم ، وهي أيضاً قراءة ابن السميفع ، ونسبها ابن مجاهد إلى إسماعيل المكي .

وجمع الشاعر بين اللغتين فقال :

لئن فتنتني فهي بالأمس أفتنت *** سعيداً فأمسى قد قلا كل مسلم

والفتنة التي سقطوا فيها هي فتنة التخلف ، وظهور كفرهم ، ونفاقهم .

ولفظة سقطوا تنبىء عن تمكن وقوعهم فيها .

وقال قتادة : الإثم بخلافهم الرسول في أمره ، وإحاطة جهنم بهم إما يوم القيامة ، أو الآن على سبيل المجاز .

لأنّ أسباب الإحاطة معهم فكأنهم في وسطها ، أو لأنّ مصيرهم إليها .