البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (51)

{ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } : قرأ ابن مسعود وابن مصرف : هل يصيبنا مكان لن يصيبنا .

وقرأ ابن مصرف أيضاً وأعين قاضي الرّي : هل يصيبنا بتشديد الياء ، وهو مضارع فيعل نحو : بيطر ، لا مضارع فعل ، إذ لو كان كذلك لكان صوّب مضاعف العين .

قالوا : صوب رأيه لما بناه على فعل ، لأنه من ذوات الواو .

وقالوا : صاب يصوب ومصاوب جمع مصيبة ، وبعض العرب يقول : صاب السهم يصيب ، جعله من ذوات الياء ، فعلى هذا يجوز أن يكون يصيبنا مضارع صيب على وزن فعل ، والصيب يحتمل أن يكون كسيدوكلين .

وقال عمرو بن شقيق : سمعت أعين قاضي الري يقول : قل لن يصيبنا بتشديد النون .

قال أبو حاتم : ولا يجوز ذلك ، لأن النون لا تدخل مع لن ، ولو كانت لطلحة بن مصرف الحارث ، لأنها مع هل .

قال تعالى : { هل يذهبن كيده ما يغيظ } انتهى .

ووجه هذه القراءة تشبيه لن بلا وبلم ، وقد سمع لحاق هذه النون بلا وبلم ، فلما شاركتهما لن في النفي لحقت معها نون التوكيد ، وهذا توجيه شذوذ .

أي : ما أصابنا فليس منكم ولا بكم ، بل الله هو الذي أصابنا وكتب أي : في اللوح المحفوظ أو في القرآن من الوعد بالنصر ، ومضاعفة الأجر على المصيبة ، أو ما قضى وحكم ثلاثة أقوال : هو مولانا ، أي ناصرنا وحافظنا قاله الجمهور .

وقال الكلبي : أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة .

وقيل : مالكنا وسيدنا ، فلهذا يتصرف كيف شاء .

فيجب الرضا بما يصدر من جهته .

وقال ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا ، وأن الكافرين لا مولى لهم ، فهو مولانا الذي يتولانا ونتولاه .