{ يدنين عليهن من جلابيبهن } : أي يرخين على وجههن الجلباب حتى لا يبدو من المرأة إلا عين واحدة تنظر بها الطريق إذا خرجت لحاجة .
{ ذلك أدنى أن يعرفن } : أي ذلك الإِدناء من طرف الجلباب على الوجه أقرب .
{ فلا يؤذين } : أي يعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون بالأذى .
{ وكان الله غفوراً رحيماً } : أي غفوراً لمن تاب من ذنبه رحيما به بقبول توبته وعدم تعذيبه بذنب تاب منه .
أما الآية الرابعة ( 59 ) فإنه لما كان المؤمنات يخرجن بالليل لقضاء الحاجة البشرية إذ لم يكن لهم مراحيض في البيوت وكان بعض سفهاء المنافقين يتعرضون لهن بالغمز والكلمة السفيهة وهم يقصدون على عادتهم الإِماء لا الحرائر فتأذى بذلك المؤمنات وشكون إلى أزواجهن ما يلقين من تعرض بعض المنافقين لهن فأنزل الله تعالى هذه الآية { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } والجلباب هو الملاءة أو العباءة تكون فوق الدرع السابغ الطويل ، أي مُرْهُنَّ بأن يدنين من طرف الملاءة على الوجه حتى لا يبقى إلا عين واحدة ترى بها الطريق ، وبذلك يعرفن أنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين بالتعرض لهن أولئك المنافقون والسفهاء عليهم لعائن الله .
وقوله تعالى { وكان الله غفوراً رحيماًْ } أخبر عباده أنه تعالى كان وما زال غفوراً لمن تاب من عباده رحيماً به فلا يعذبه بعد توبته .
- وجوب تغطية المؤمنة وجهها إذا خرجت لحاجتها إلا ما كان من عين ترى بها الطريق ، واليوم بوجود الأقمشة الرقيقة لا حاجة إلى إبداء العين إذ تسبل قماشا على وجهها فيستر وجهها وترى معه الطريق واضحاً والحمد لله .
ولما نهى سبحانه عن أذى المؤمنات ، وكانت{[56066]} الحرائر بعيدات عن{[56067]} طمع المفسدين لما لهن في أنفسهن من الصيانة وللرجال بهن من العناية ، وكان جماعة من أهل الريبة يتبعون الإماء إذا خرجن يتعرضون لهن للفساد ، وكان الحرائر يخرجن لحاجتهن ليلاً ، فكان ربما تبع المرأة منهن أحد من أهل الريب يظنها أمة أو يعرف أنها حرة ويعتل بأنه ظنها أمة فيتعرض{[56068]} لها ، وربما رجع فقال لأصحابه : فعلت بها - وهو كاذب ، وفي القوم من يعرف أنها فلانة ، فيحصل بذلك من الأذى ما يقصر عنه الوصف ، ولم يكن إذ ذاك كما نقل عن مقاتل فرق بين الحرة والأمة كن يخرجن في درع وخمار ، وكان اتسام{[56069]} الحرائر بأمارة يعرفن بها{[56070]} ليهبن{[56071]} ويتحشمن يخفف{[56072]} هذا الشر ، قال تعالى : { يا أيها النبي } فذكره بالوصف الذي هو منبع المعرفة والحكمة ، لأن السياق لحكمة يذب بها عن الحريم لئلا يشتغل فكره صلى الله عليه وسلم بما يحصل لهن من الأذى عن تلقي شيء من{[56073]} الواردات الربانية { قل لأزواجك } بدأ بهن لما لهن به من الوصلة بالنكاح { وبناتك } ثنى بهن لما لهن به من الوصلة ولهن في أنفسهن من الشرف ، وأخرهن عن الأزواج لأن أزواجه يكفونه أمرهن { ونساء المؤمنين يدنين } أي يقربن { عليهن } أي على وجوههن وجميع أبدانهن ، فلا يدعن شيئاً منها مكشوفاً { من جلابيبهن } ولا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن بكشف الشعور{[56074]} ونحوها ظناً أن ذلك أخفى لهن وأستر ، والجلباب القميص ، وثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة ، والملحفة ما ستر اللباس ، أو الخمار وهو كل ما غطى الرأس ، وقال البغوي{[56075]} : الجلباب : الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار ، وقال حمزة الكرماني : قال الخليل : كل ما تستتر به من دثار وشعار وكساء فهو جلباب ، والكل يصح إرادته هنا ، فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطي يديها ورجليها ، وإن كان ما يغطي الرأس فادناؤه ستر وجهها وعنقها ، وإن كان المراد ما يغطي الثياب فادناؤه تطويله وتوسيعه بحيث يستر جميع بدنها وثيابها ، وإن كان المراد ما دون الملحفة فالمراد ستر الوجه واليدين .
ولما أمر بذلك علله بقوله : { ذلك } أي الستر { أدنى } أي أقرب من تركه في { أن يعرفن } أنهن حرائر{[56076]} بما يميزهن عن{[56077]} الإماء { فلا } أي فيتسبب عن معرفتهن أن لا { يؤذين } ممن يتعرض للإماء . فلا يشتغل قلبك عن تلقي ما يرد عليك من الأنباء الإلهية . ولما رقاهم سبحانه بهذا الأمر في حضرات الرضوان ، خافوا عاقبة ما كانوا فيه من الغلط بالتشبه بالإماء ، فأخبرهم سبحانه أنه في محل الجود والإحسان ، فقال : { وكان الله } أي{[56078]} الذي له الكمال المطلق ، أزلاً وأبداً { غفوراً } أي محاء للذنوب عيناً وأثراً { رحيماً * } مكرماً لمن يقبل عليه ويمتثل أوامره ويحتنب مناهيه ، قال البغوي{[56079]} : قال أنس رضي الله عنه : مرت{[56080]} بعمر بن الخطاب رضي الله عنه جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال : يا لكاع ! أتتشبهين بالحرائر ؟ ألقي القناع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.