أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ} (45)

شرح الكلمات :

{ وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } : اسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل .

{ اجعلنا من دون الرحمان آلهة } : أي هل جعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون والجواب لم نجعل أبداً فليفهم هذا مشركو مكة .

المعنى :

وقوله { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون } ؟ أي واسأل يا رسولنا مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل إذ سؤالهما سؤال رسلهم الذين ماتوا من قبلك هل جعل الله تعالى من دونه آلهة يعبدون ؟ وسوف يجيبونك بقولهم حاشا لله أن يأذن بعبادة غيره من خلقه وهو الله لا إله إلا هو ، وهذا من أجل تنبيه أذهان قريش إلى خطأها الفاحش في إصرارها على عبادة الأصنام إن القرآن نزل لهدايتهم وهداية غيرهم من بني آدم على الإطلاق إلا أنهم هو أولا وغيرهم ثانيا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ} (45)

ولما أبطل سبحانه إلهية غيره التي أدى إليها الجهل ، واستمر إلى أن ختم بالعلم الموجب لمعرفة الحق ، فكان التقدير إبطالاً لشبهتهم الوهمية القائلة { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } : فاستحضر جميع ما أوحى إليك وتأمله غاية التأمل ، هل ترى فيه خفاء في الإلهية لشيء دون الله ، عطف عليه قوله نفياً لدليل سمعي كما أشير إليه بقوله { أم آتيناهم كتاباً } { واسأل من أرسلنا } أي على ما لنا من العظمة . ولما كان الممكن تعرفه من آثار الرسل إنما هو لموسى وعيسى ومن بينهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام الحافظ لسنتهم من التوراة والإنجيل والزبور وسفر الأنبياء ، قال مثبتاً للجار المفهم لبعض الزمان : { من قبلك } .

ولما كان أتباعهم قد غيروا وبدلوا فلم تكن بهم ثقة ، عبر بالرسل فقال : { من رسلنا } أي بقراءة أتباعهم لكتبهم التي حرفوا بعضها ، وجعلت كتابك مهيمنا عليها فإنهم إذا قرأوها بين يديك وعرضوها عليك علمت معانيها وفضحت تحريفهم وبينت اتفاق الكتب كلها برد ما ألبس عليهم من متشابهها إلى محكمها ، فالمراد من هذا نحو المراد من آية يونس{ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك }[ رقم : 94 ] ومن آية الأنبياء{ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي }[ رقم : 24 ] مع زيادة الإشارة إلى تحريفهم ، فالمسؤول في الحقيقة القرآن المعجز على لسان الرسول الذي شهدت له جميع الرسل الذين أخذ عليهم العهد بالإيمان به والمتابعة له ، وبهذا التقرير ظهر ضعف قول من قال : إن المراد سؤال الرسل حقيقة لما جمعوا له صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس ليلة الإسراء ، فإنه ليس المراد من هذا إلا تبكيت الكفار من العرب وممن عزهم من أهل الكتاب بقولهم : دينكم خير من دينه وأنتم أهدى سبيلاً منه ، فإنهم إذا أحضروا كتبهم علمت دلالتها القطعية على اختصاصه سبحانه بالعبادة كما بينته في كتابي هذا يرد المتشابه منها إلى المحكم ، وجعلها ابن جرير مثل قوله تعالى

{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر }[ النساء : 59 ] وقال : ومعلوم أن معنى ذلك : فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال : فاستغنى بذكر الرسل عن ذكر الكتب . وهو عين ما قلته ، ولو كان المراد حقيقة السؤال وسؤال جميع الرسل لقال " قبلك " بإسقاط " من " ليستغرق الكل - والله أعلم .

ولما ذكر المسؤول مفخماً له بما اقتضته العبارة من الإرسال والإضافة إليه ، ذكر المسؤول عنه بقوله تعالى : { أجعلنا } أي أبحنا وأمرنا ورضينا على ما لنا من العظمة والقدرة التامة ، مما ينافي ذلك ، وقرر حقارة ما سواه بقوله : { من دون } وزاد بقوله : { الرحمن } أي الذي رحمته عمت جميع الموجودات { آلهة } ولما كان قد جعل لكل قوم وجهة يتوجهون في عبادتهم إلهاً ، وشيئاً محسوساً بغلبة الأوهام على الأفهام يشهدونه وكان ربما تعنت به متعنت ، قال محترزاً : { يعبدون } أي من عابد ما بوجه ما .