البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ} (45)

{ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } ، قيل : هو على ظاهره ، وأن جبريل عليه السلام قال له ليلة الإسراء ، حين أم بالأنبياء : { وأسأل من أرسلنا } ، فلم يسألهم ، إذ كان أثبت يقيناً ، ولم يكن في شك .

وروي ذلك عن ابن عباس ، وابن جبير ، والزهري ، وابن زيد ، وفي الأثر أن ميكال قال لجبريل : هل سأل محمد عن ذلك ؟ فقال : هو أعظم يقيناً وأوثق إيماناً من أن يسأله ذلك .

وقال ابن عباس أيضاً ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وعطاء : أراد واسأل أتباع من أرسلنا وحملة شرائعهم ، إذ يستحيل سؤال الرسل أنفسهم ، وليسوا مجتمعين في الدنيا .

قال الفراء : هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل ، فإذا سألهم ، فكأنه سأل الرسل ، والسؤال الواقع مجاز عن النظر ، حيث لا يصلح لحقيقته ، كثير منه مساءلة الشعراء الديار والأطلال ، ومنه : سيد الأرض من شق نهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ، فإنها إن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً .

فالسؤال هنا مجاز عن النظر في أديانهم : هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء ؟ والذي يظهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات ، فقيل له : اسأل أيها الناظر أتباع الرسل ، أجاءت رسلهم بعبادة غير الله ؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع ، ولا يمكن أن يأتوا به .

وأبعد من ذهب إلى أن المعنى : واسألني ، واسألنا عن من أرسلنا ، وعلق واسأل ، فارتفع من ، وهو اسم استفهام على الابتداء ، وأرسلنا خبره في موضع نصب باسأل بعد إسقاط الخافض ، كان سؤاله : من أرسلت يا رب قبلي من رسلك ؟ أجعلت في رسالته آلهة تعبد ؟ ثم ساق السؤال فحكى المعنى ، فرد الخطاب إلى محمد في قوله : { من قبلك } .