الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ} (45)

ثم قال تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } ، يعني : اسأل يا محمد أهل الكتابين عن ذلك . فالتقدير : واسأل من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا . و( من ) زائدة .

وفي قراءة ابن مسعود : وسئل الذين أرسلنا من قبلك من رسلنا ، هذا قول مجاهد والسدي{[61557]} ، وقال قتادة : معناه : سل يا محمد أهل التوراة والإنجيل هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد{[61558]} . وقال الضحاك ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل مؤمني أهل الكتاب{[61559]} .

وقال ابن زيد : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الأنبياء عن ذلك ليلة جُمعُوا{[61560]} له في الإسراء{[61561]} إلى بيت المقدس . فكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد إيمانا ويقينا أن الله عز وجل لم يأمر بعبادة غيره من أن يحتاج أن يسأل أحدا{[61562]} . ( فمن ) على هذا القول غير{[61563]} زائدة .

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه ذلك قال له جبريل : سل{[61564]} يا محمد الأنبياء{[61565]} الذين أريتهم في الإسراء{[61566]} قال : " لا أسأل قد اكتفيت " {[61567]} .

فالمعنى : على هذا القول : ( إنه يا محمد ){[61568]} سيسري{[61569]} بك ربك{[61570]} فأسأل الرسل هل أمر الله عز وجل أن يُعْبَدَ غيره .

وقيل : تقدير الآية : واسأل يا محمد أمم من أرسلنا قبلك ( من رسلنا ){[61571]} ، ثم حذف المضاف{[61572]} .

فيكون المسؤول أهل الكتابين وغيرهم من جميع الأمم ، أي : سلهم هل وجدوا في كتبهم أن الله عز وجل أمر أن يعبد معه غيره .

والتقدير في الآية عند ابن قتيبة{[61573]} : واسأل من أرسلنا إليه قبلك رسلا من رسلنا ، فحذف ( إليه ) لأن في الكلام ما يدل عليه{[61574]} فالخطاب عنده للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد : المشركون . وحذف رسلا لأن { من رسلنا } يدل عليه كما قال :

كأنك من جمال بني أقيش{[61575]} *** . . .

أي : كأنك جمل من جمال بني أقيش ، وحذف ( إليه ) عند أهل العربية بعيد في القياس{[61576]} .

وقيل : المعنى : ( سلنا عن الأنبياء الذين{[61577]} أرسلناهم قبلك ){[61578]} .

ويتم الكلام على ( رسلنا ){[61579]} و( عن ){[61580]} محذوفة{[61581]} ، ثم ابتدأ بالاستفهام على طريق الإنكار ، أي : ما جعلنا آلهة تعبد من دون الله .

وأخبر الآلهة كما يخبر عمن{[61582]} يعقل ، فقال : ( يعبدون ) ولم يقل ( تعبد ) ولا ( يعبدون ){[61583]} ، لأن الآلهة جرت عندهم مجرى من يعقل فعظموها كما يعظمون الملوك فأجرى الخبر عنها مجرى الخبر عن من يعقل .


[61557]:انظر جامع البيان 25/46، وهو قول قتادة والضحاك أيضا انظر جامع القرطبي 16/95 وتفسير ابن كثير 4/130. وأضاف القرطبي نسبته إلى عطاء والحسن وابن عباس كلهم رواية عن ابن مسعود. وفي المحرر الوجيز أن هذه قراءة ابن مسعود وأبي 14/263.
[61558]:انظر إعراب النحاس 4/112.
[61559]:انظر جامع البيان 25/46.
[61560]:(ح): به.
[61561]:(ح): الاسرى.
[61562]:انظر جامع البيان 25/47، وجامع القرطبي 16/96، وتفسير ابن كثير 4/130. وقد أورد ابن كثير هذا القول عن ابن زيد مختصرا.
[61563]:في طرة (ح).
[61564]:ساقط من (ت).
[61565]:ساقط من (ح).
[61566]:(ح): الاسرى.
[61567]:أخرجه الطبري في جامع البيان 25/47 عن ابن زيد بمعناه، وابن الجوزي في زاد المسير 7/319.
[61568]:ساقط من (ح).
[61569]:(ت): سيسرا.
[61570]:ساقط من (ح).
[61571]:(ح): رسلا.
[61572]:انظر جامع القرطبي 16/96.
[61573]:هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو عبد الله الدينوري، وقيل: المروزي، النحوي اللغوي، صاحب كتاب (تأويل مشكل القرآن). توفي سنة ½ هـ وقيل: 267 هـ. انظر أنباه الرواة 2/143 ت 357، وبغية الوعاة 2/63 ت 1444.
[61574]:انظر مشكل القرآن وغريبه 2/123.
[61575]:البيت للنابغة وهو من البحر الوافر وعجزه: ... *** يقعقع خلف رجليه بشن. انظر الكتاب 2/435، وإعراب النحاس 1/427 و4/112، واللسان مادة أقش، والخزانية 5/67، و79، وديوان النابغة 252. وبنو أقيش: بطن من طابخة، من العدنانية. انظر نهاية الأرب 42 وفي اللسان (مادة: أقش) أنهم حي من الجن إليهم تنسب الإبل الأقيشية.
[61576]:انظر إعراب النحاس 4/112.
[61577]:(ح): (الذي).
[61578]:انظر جامع القرطبي 16/96.
[61579]:(ت): أرسلنا.
[61580]:(ح): من.
[61581]:ساقط من (ت).
[61582]:(ت): (الا عمن).
[61583]:في نفسي شيء من هذه الكلمة (يعبدون) حيث إنها لمن يعقل!