أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

شرح الكلمات :

{ فإذا مس الإِنسان ضر دعانا } : أي أصاب الإِنسان الكافر ضُر أي مرض وغيره مما يضره دعانا أي سأل كشف ضره .

{ ثم إذا خولناه نعمة منا } : ثم إذا خولناه أي أعطيناه نعمة منا من صحة أو مال وغيرهما .

{ قال إنما أوتيته على علم } : قال أي ذلك الكافر إنما أوتيت ذلك العطاء على علم من الله بأني استحقه .

{ بل هي فتنة } : أي تلك النعمة لم يعطها لأهليته لها ، وإنما أعطيها فتنةً واختباراً له .

{ ولكن أكثرهم لا يعلمون } : أي أن ما أعطوه من مال وصحة وعافية هو فتنة لهم وليس لرضا الله تعالى عنهم .

المعنى :

ما زال السياق في بيان حيرة المشركين وفساد قلوبهم نتيجة كفرهم وجهلهم فقوله تعالى :

{ فإذا مس الإِنسان ضرٌّ دعانا } يعني ذاك الكافر الذي إذا ذكر الله وحده اشمأزَّت نفسه وإذا ذكرت الأوثان سُر وفرح واستبشر هذا الإِنسان إذا مسَّه ضرٌّ من مرض أو غيره مما يضر ولا يسر دعا ربَّه منيباً إليه ولم يشرك معه في هذه الحال أحداً لعلمه أن الأوثان لا تكشف ضراً ولا تعطي خيراً ، وإذا خوله الله تعالى نعمة من فضله ابتلاء له قال إنَّما أوتيت الذي أوتيت على علم من الله بأني أهل لذلك ، فأكذبه الله تعالى فقال بل هي فتنة ، ولكن أكثرهم أي أكثر المشركين لا يعلمون أن الله تعالى إذا أعطاهم إنما أعطاهم ليفتنهم لا لحبه لهم ولا لرضاً عنهم . والدليل على أن ذلك العطاء للمشركين فتنة لا غير أن قولتهم هذه قد قالها الذين من قبلهم كقارون وغيره فلم يلبثوا حتى أخذهم الله بذنوبهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون .

الهداية :

- بيان تتناقض أهل الكفر والجهل والضلال في كل حياتهم لأنهم يعيشون على ظلمة الجهل والكفر .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

وقوله { إنما أوتيته على علم } أعطيته على شرف وفضل وكنت علمت أني سأعطى هذا باستحقاقي { بل هي فتنة } أي تلك العطية فتنة من الله تعالى يبتلي به العبد ليشكر أو يكفر

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

قوله تعالى : " فإذا مس الإنسان ضر دعانا " قيل : إنها نزلت في حذيفة بن المغيرة . " ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم " قال قتادة : " على علم " عندي بوجوه المكاسب ، وعنه أيضا " على علم " على خير عندي . وقيل : " على علم " أي على علم من الله بفضلي . وقال الحسن : " على علم " أي بعلم علمني الله إياه . وقيل : المعنى أنه قال قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة ، فقال الله : " بل هي فتنة " أي بل النعم التي أوتيتها فتنة تختبر بها . قال الفراء : أنث " هي " لتأنيث الفتنة ، ولو كان بل هو فتنة لجاز . النحاس : التقدير بل أعطيته فتنة . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي لا يعلمون أن إعطاءهم المال اختبار .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

ولما أخبر عن ظهور هذا لهم ، علله بأنهم كانوا يفعلون ما لم يكن في العادة يتوقع منهم ، وهو مجازاة الإحسان بالإساءة وقد كانوا جديرين بضده فقال : { فإذا } أي وقع لهم ذلك بسبب أنهم إذا مسهم ، ولكنه أخبر عن النوع الذي هم منه بما هو مطبوع عليه فقال : { مس الإنسان ضر } أيّ ضر كان من جهة يتوقعها كما تقدم في التي في أول السورة ، ويجوز أن يكون مسبباً عن الإخبار بافتدائهم بما يقدرون عليه وأن يكون مسبباً عن اشمئزازهم من توحيد الله تعجيباً من حالهم في تعكيسهم وضلالهم ، وتقدم في الآية التي في أول السورة سر كونها بالواو ، ولفت القول إلى مظهر العظمة دالاً على أن أغلب الناس لا يرجى اعترافه بالحق وإذعانه لأهل الإحسان إلا إذا مس بأضرار فقال : { دعانا } عالماً بعظمتنا دون آلهته مع اشمئزازه من ذكرنا واستبشاره بذكرها .

ولما كان ذلك الضر عظيماً يبعد الخلاص عنه من جهة أنه لا حيلة لمخلوق في دفعه ، أشار إلى عظمته وطول زمنه بأداة التراخي فقال مقبحاً عليه نسيانه للضر مع عظمه في نفسه ومع طول زمنه : { ثم إذا خولناه } أي أعطيناه على عظمتنا متفضلين عليه محسنين القيام بأمره وجعلناه خليقاً بحاله جديراً بتدبيره على غير عمل عمله محققين لظنه الخير فينا وأحسنا تربيتنا له والقيام عليه مع ما فرط في حقنا { نعمة منا } ليس لأحد غيرنا فيها شائبة منّ ولولا عظمتنا ما كانت { قال } ناسياً لما كان فيه من الضر وإن كان قد طال أمده ، قاصراً لها على نفسه غير متخلق بما نبهناه على التخلق به من إحساننا إليه وإقبالنا عليه عند إذعانه ، مذكراً لضميرها تفخيماً لها ، وبنى الفعل للمجهول إشارة إلى أنه لا نظر له في تعرف المعطي من هو يشكره ، وإنما نظره في عظمة النعمة وعظمة نفسه ، وإنها على مقدار ما : { إنما أوتيته } أي هذا المنعم به عليّ الذي هو كبير وعظيم لأني عظيم فأنا أعطي على مقداري ، و " ما " هي الزائدة الكافة لأن للدلالة على الحصر ، ويجوز أن تكون موصولة هي اسم إن وخبرها قوله : { على } إي إيتاء مستعلياً متمكناً على { علم } أي عظيم ، وجد مني بطريق الكسب والاجتهاد ووجوده الطلب والاحتيال ، فكان ذلك سبباً لمجيئه إليّ أو علم من الله باستحقاقه له

ولما كان التقدير : ليس كذلك ولا هي نعمة ، قال دالاً على شؤم ذلك المعطي وحقارته لأنه من أسباب إضلاله بالتأنيث { بل هي } أي العطية والنعمة { فتنة } لاختباره هل يشكر أم يكفر لتقام عليه الحجة . فإن أدت إلى النار كانت استدراجاً ، وأنث الضمير تحقيراً لها بالنسبة إلى قدرته سبحانه وتعالى ولأنها أدت إلى الغرور بعد أن ذكر ضميرها أولاً تعظيماً لها لإيجاب شكرها .

ولما كان من المفتونين من ينتبه وهم الأقل ، قال جامعاً تنبيهاً على إرادة الجنس وأن تعبيره أولاً بإفراد الضمير إشارة إلى أن أكثر الناس كأنهم في ذلك الخلق النحس نفس واحدة : { ولكن أكثرهم } أي أكثر هؤلاء القائلين لهذا الكلام { لا يعلمون * } أي لا يتجدد لهم علم أصلاً لأنهم طبعوا على الجلافة والجهل والغباوة ، فلو أنهم إذا دعونا وهم في جهنم أجبناهم وأنعمنا عليهم لكفروا نعمتنا ونسبوها إلى غيرنا كما كانوا يفعلون في الدنيا سواء .