{ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام } [ لقمان : 27 ] إخبار بكثرة كلمات الله والمراد اتساع علمه ومعنى الآية أن شجر الأرض لو كانت أقلاما ، والبحر لو كان مدادا يصب فيه سبعة أبحر صبا دائما وكتبت بذلك كلمات الله لنفدت الأشجار والبحار ولم تنفد كلمات الله ، لأن الأشجار والبحار متناهية ، وكلمات الله غير متناهية .
فإن قيل : لم يقل والبحر مدادا كما قال في الكهف : { قل لو كان البحر مدادا } [ الكهف : 109 ] ؟ فالجواب : أنه أغنى عن ذلك قوله : { يمده } لأنه من قولك : مد الدواة وأمدها . فإن قيل : لم قال من شجرة ولم يقل من شجر باسم الجنس الذي يقتضي العموم ؟ فالجواب أنه أراد تفصيل الشجر إلى شجرة حتى لا يبقى منها واحدة .
فإن قيل : لم قال : كلمات الله ولم يقل كلم الله بجمع الكثرة ؟ فالجواب : أن هذا أبلغ لأنه إذا لم تنفد الكلمات مع أنه جمع قلة ، فكيف ينفد الجمع الكثير وروي : أن سبب الآية أن اليهود قالوا : قد أوتينا التوراة وفيها العلم كله فنزلت الآية لتدل أن ما عندهم قليل من كثير ، والآية على هذا مدنية ، وقيل : إن سببها أن قريشا قالوا : إن القرآن سينفد .
ولما كان الغني قد يكون ماله محصوراً كما في السماوات والأرض الذي قدم أنه له ، والمحمود قد يكون ما يحمد عليه مضبوطاً مقصوراً أثبت أنه على غير ذلك ، بل{[54162]} لا حد لغناه ، ولا ضبط لمعلوماته ومقدوراته الموجبة لحمده ولا تناه ، فقال : { ولو } أي له الصفتان المذكورتان والحال أنه لو { أنّ ما في الأرض } أي كلها ، ودل على الاستغراق وتقصى{[54163]} كل فرد فرد{[54164]} من الجنس بقوله : { من شجرة } حيث وحدها { أقلام } أي والشجرة يمدها من بعدها على سبيل المبالغة سبع{[54165]} شجرات ، وأن ما في الأرض من بحر مداد لتلك الأقلام { والبحر } أي والحال أن البحر ، وعلى قراءة البصريين{[54166]} بالنصب{[54167]} التقدير : ولو أن البحر { يمده } أي يكون مدداً{[54168]} وزيادة فيه { من بعده } أي من ورائه { سبعة أبحر } فكتب{[54169]} بتلك الأقلام وذلك المداد الذي الأرض كلها له دواة كلمات الله { ما نفدت } وكرر الاسم الأعظم تعظيماً للمقام فقال{[54170]} مظهراً للإشارة{[54171]} مع التبرك{[54172]} إلى عدم التقيد بشيء وإن جل{[54173]} : { كلمات الله } وفنيت الأقلام والمداد ، وأشار بجمع القلة مع الإضافة إلى اسم الذات إلى زيادة العظمة بالعجز عن ذلك القليل فيفهم العجز عن الكلم من باب الأولى ، ويتبع الكلمات الإبداع ، فلا تكون كلمة إلا لإحداث شأن من الشؤون
إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }[ يس : 82 ] وعلم من ذلك نفاد الأبحر كلها لأنها محصورة ، فهي لا تفي بما ليس بمحصور ، فيا لها من عظمة لا تتناهى ! ومن كبرياء لا تجارى ، ولا تضاهى ، لا جرم كان نتيجة ذلك قوله مؤكداً لأن ادعاءهم الشريك إنكار للعزة ، وعدم البعث إنكار للحكمة : { إن الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً {[54174]}من غير قيد أصلاً{[54175]} { عزيز } أي يعجز كل شيء ولا يعجزه شيء { حكيم * } يحكم{[54176]} ما أراده ، فلا يقدر أحد على نقضه ، ولا علم لأحد من خلقه إلا ما علمه ، ولا حكمة لأحد منهم إلا بمقدار ما
أورثه ، وقد علم أن الآية من الاحتباك : ذكر الأقلام دليلاً على حذف مدادها{[54177]} ، وذكر السبعة في{[54178]} مبالغة الأبحر دليلاً على حذفها في الأشجار ، وهو من عظيم هذا الفن ، وعلم أيضاً من السياق أن المراد بالسبعة المبالغة في الكثرة لا حقيقتها ، وأن المراد بجمع القلة في " أبحر " الكثرة ، لقرينة المبالغة ، وبجمع القلة في { كلمات } حقيقتها لينتظم المعنى ، وكل ذلك سائغ شائع{[54179]} في لغة العرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.