التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الممتحنة مدنية وآياتها 13 نزلت بعد الأحزاب .

{ لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } العدو يطلق على الواحد والجماعة ، والمراد به هنا كفار قريش وهذه الآية نزلت بسبب حاطب بن أبي بلتعة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الخروج إلى مكة عام الحديبية فروى عن ذلك بخيبر فشاع في الناس أنه خارج إلى خيبر وأخبر هو جماعة من كبار أصحابه بقصده إلى مكة منهم حاطب فكتب بذلك حاطب إلى قومه من أهل مكة ، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء ، فبعث علي بن أبي طالب والزبير والمقداد وقال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين " فانطلقوا حتى وجدوا المرأة فقالوا لها أخرجي الكتاب فقالت : ما معي كتاب ففتشوا جميع رحلها فما وجدوا شيئا فقال بعضهم : ما معها كتاب فقال علي بن أبي طالب : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذب الله ، والله لتخرجن الكتاب أو لنجردنك قالت : أعرضوا عني فأخرجته من قرون رأسها ، وقيل : أخرجته من حجزتها فجاؤوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لحاطب : " من كتب هذا " قال : أنا يا رسول الله ولكن لا تعجل علي فوالله ما فعلت ذلك ارتدادا عن ديني ولا رغبة في الكفر ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش ، ولم أكن من أنفسها فأحببت أن تكون لي عندهم يد يرعونني بها في قرابتي ، فقال عمر بن الخطاب : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق حاطب إنه من أهل بدر ، وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر " فقال : " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم لا تقولوا لحاطب إلا خيرا " فنزلت الآية عتابا لحاطب وزجرا عن أن يفعل أحد مثل فعله ، وفيها مع ذلك تشريف له ، لأن الله شهد له بالإيمان في قوله :{ يا أيها الذين آمنوا } .

{ تلقون إليهم بالمودة } عبارة عن إيصال المودة إليهم وألقى يتعدى بحرف جر وبغير حرف جر كقوله : { وألقيت عليك محبة مني }[ طه : 39 ] وهذه الجملة في موضع الحال من الضمير في قوله : { لا تتخذوا } أو في موضع الصفة لأولياء أو استئناف .

{ وقد كفروا } حال من الضمير في لا تتخذوا أو في تلقون .

{ يخرجون الرسول وإياكم } أي : يخرجون الرسول ويخرجونكم يعني : إخراجهم من مكة ، فإنهم ضيقوا عليهم وآذوهم حتى خرجوا منها مهاجرين إلى المدينة ، ومنهم من خرج إلى أرض الحبشة .

{ أن تؤمنوا } مفعول من أجله أي : يخرجونكم من أجل إيمانكم .

{ إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي } جواب هذا الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه وهو لا تتخذوا ، والتقدير إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وجهادا مصدر في موضع الحال أو مفعول من أجله وكذلك ابتغاء .