تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا} (38)

وقوله : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ } اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا ، ما هو ؟ على أقوال :

أحدها : رواه العوفي ، عن ابن عباس : أنهم أرواح بني آدم .

الثاني : هم بنو آدم . قاله الحسن ، وقتادة ، وقال قتادة : هذا{[29671]} مما كان ابن عباس يكتمه .

الثالث : أنهم خَلق من خلق الله ، على صُور بني آدم ، وليسوا بملائكة ولا ببشر ، وهم يأكلون ويشربون . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو صالح والأعمش .

الرابع : هو جبريل . قاله الشعبي ، وسعيد بن جبير ، والضحاك . ويستشهد لهذا القول بقوله : { نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 193 ، 194 ] وقال مقاتل بن حيان : الروح : أشرف الملائكة ، وأقرب إلى الرب عز وجل ، وصاحب الوحي .

والخامس : أنه القرآن . قاله ابن زيد ، كقوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } الآية [ الشورى : 52 ] .

والسادس : أنه ملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات ؛ قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ } قال : هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقًا .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا رَواد{[29672]} بن الجراح ، عن أبي حمزة ، عن الشعبي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود قال : الروح : في السماء الرابعة هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة ، يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق الله من كل تسبيحة مَلَكًا من الملائكة يجيء يوم القيامة صفًا وحده{[29673]} ، وهذا قول غريب جدًا .

وقد قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله بن عرْس المصري ، حدثنا وهب [ الله بن رزق أبو هريرة ، حدثنا بشر بن بكر ]{[29674]} ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني عطاء ، عن عبد الله بن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لله ملكا لو قيل له : التقم السماوات السبع والأرضين بلقمة واحدة ، لفعل ، تسبيحه : سبحانك حيث كنت " {[29675]} .

وهذا حديث غريب جدًا ، وفي رفعه نظر ، وقد يكون موقوفًا على ابن عباس ، ويكون مما تلقاه من الإسرائيليات ، والله أعلم .

وتَوَقَّفَ ابنُ جرير فلم يقطَع بواحد من هذه الأقوال كلها ، والأشبه - والله أعلم - أنهم بنو آدم .

وقوله : { إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ } كقوله : { لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ } [ هود : 105 ] . وكما ثبت في الصحيح : " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل " .

وقوله { وَقَالَ صَوَابًا } أي : حقا ، ومن الحق : " لا إله إلا الله " ، كما قاله أبو صالح ، وعكرمة .


[29671]:- (1) في م: "وهذا".
[29672]:- (2) في أ: "حدثنا داود".
[29673]:- (1) تفسير الطبري (30/15).
[29674]:- (2) زيادة من م، أ.
[29675]:- (3) المعجم الكبير (11/95)، والمعجم الأوسط برقم (66) "مجمع البحرين"، وقال في الأوسط: "لم يروه عن الأوزاعي إلا بشر، تفرد به وهب"، ووهب لم أر من ترجم له.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا} (38)

اختلف الناس في { الروح } المذكورة في هذا الموضع ، فقال الشعبي والضحاك : هو جبريل عليه السلام ذكره خاصة من بين الملائكة تشريفاً ، وقال ابن مسعود : هو ملك كريم أكبر الملائكة خلقة يسمى ب { الروح } ، وقال ابن زيد : كان أبي يقول هو القرآن ، وقد قال الله تعالى : { أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى : 52 ] أي من أمرنا{[11593]} .

قال القاضي أبو محمد : فالقيام فيه مستعار يراد ظهوره مثول آثاره ، والأشياء الكائنة عن تصديقه أو تكذيبه ومع هذا ففي القول قلق ، وقال مجاهد : { الروح } خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : «الروح خلق غير الملائكة لهم حفظة للملائكة كما الملائكة حفظة لنا » ، وقال ابن عباس والحسن وقتادة : { الروح } هنا اسم جنس : يراد به أرواح بني آدم والمعنى يوم تقوم الروح في أجسادها إثر البعث والنشأة الآخرة ، ويكون الجميع من الإنس والملائكة { صفاً }{[11594]} ولا يتكلم أحد هيبة وفزعاً { إلا من أذن له الرحمن } من ملك أو نبي وكان أهلاً أن يقول { صواباً } في ذلك الموطن ، وقال ابن عباس : الضمير في { يتكلمون } عائد على الناس خاصة و «الصواب » المشار إليه لا إله إلا الله ، قال عكرمة أي قالها في الدنيا .


[11593]:من الآية 52 من سورة الشورى.
[11594]:في إحدى النسخ: "ويكون الجمع بين الإنس والملائكة حقا".