يقول تعالى : ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ، أي : إلى مدة ، وذلك بعدما عرفوا براءته ، وظهرت الآيات - وهي الأدلة - على صدقه في عفته ونزاهته . فكأنهم - والله أعلم - إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما{[15162]} أن هذا راودها عن نفسها ، وأنهم سجنوه على ذلك . ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة ، امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة ، فلما تقرر ذلك خرج وهو نَقِيّ العرض ، صلوات الله عليه وسلامه .
وذكر السُّدِّي : أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها{[15163]} في حقه ، ويبرأ عرضه فيفضحها .
{ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات } ثم ظهر للعزيز وأهله من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف كشهادة الصبي وقد القميص وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن وفاعل { بدا } مضمر يفسره . { ليسجننّه حتى حين } وذلك لأنها خدعت زوجها وحملته على سجنه زمانا حتى تبصر ما يكون منه ، أو يحسب الناس أنه المجرم فلبث في السجن سبع سنين . وقرئ بالتاء على أن بعضهم خاطب به العزيز على التعظيم أو العزيز ومن يليه ، وعتى بلغة هذيل .
{ ثم } هنا للترتيب الرتبي ، كما هو شأنها في عطف الجمل فإن ما بدا لهم أعجب بعد ما تحققت براءته . وإنما بدا لهم أن يسجنوا يوسف عليه السّلام حين شاعت القالة عن امرأة العزيز في شأنه فكان ذلك عقب انصراف النسوة لأنها خشيت إنْ هُنّ انصرفن أن تشيع القالة في شأنها وشأن براءة يوسف عليه السّلام فرامت أن تغطي ذلك بسجن يوسف عليه السّلام حتى يظهر في صورة المجرمين بإرادته السوء بامرأة العزيز ، وهي ترمي بذلك إلى تطويعه لها . ولعلها أرادت أن تُوهم الناسَ بأن مراودته إيّاها وقعت يوم ذلك المجمع ، وأن تُوهم أنّهن شواهد على يوسف عليه السّلام .
والضمير في { لهم } لجماعة العزيز من مشير وآمر .
وجملة { ليسجننه } جواب قسم محذوف ، وهي معلّقة فعلَ { بدَا } عن العمل فيما بعده لأجل لام القسم لأن ما بعد لام القسم كلام مستأنف . وفيه دليل للمعمول المحذوف إذ التحقيق أن التعليق لا يختص بأفعال الظن ، وهو مذهب يونس بن حبيب ، لأن سبب التعليق وجود أداة لها صَدر الكلام . وفي هذه الآية دليله .
والتقدير : بدا لهم ما يدل عليه هذا القسَم ، أي بدا لهم تأكيد أن يسجنوه .
وذكر في « المغني » في آخر الجمل التي لها محل من الإعراب : وقوع الخلاف في الفاعل ونائب الفاعل ، هل يكون جملة ؟ فأجازه هشام وثعلب مطلقاً ، وأجازهُ الفراء وجماعة إذا كان الفعل قلبياً ووجد معلّق ، وحملوا الآية عليه ، ونسب إلى سيبويه . وهو يؤول إلى معنى التعليق ، والتعليق أنسب بالمعنى .
والحين : زمن غير محدود ، فإن كان { حتى حينٍ } من كلامهم كان المعنى : أنهم أمروا بسجنه سجناً غير مؤجل المدة . وإن كان من الحكاية كان القرآن قد أبهم المدة التي أذنوا بسجنه إليها إذ لا يتعلق فيها الغرض من القصة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.