يقول تعالى : ولو ترى - يا محمد - إذ فَزِع هؤلاء المكذبون{[24414]} يوم القيامة ، { فَلا فَوْتَ } أي : فلا مفر لهم ، ولا وزر ولا ملجأ { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } أي : لم يكونوا يُمنعون في الهرب{[24415]} بل أخذوا من أول وهلة .
قال الحسن البصري : حين خرجوا من قبورهم .
وقال مجاهد ، وعطية العوفي ، وقتادة : من تحت أقدامهم .
وعن ابن عباس والضحاك : يعني : عذابهم في الدنيا .
وقال عبد الرحمن بن زيد : يعني : قتلهم يوم بدر .
والصحيح : أن المراد بذلك يوم القيامة ، وهو الطامة العظمى ، وإن كان ما ذكر متصلا بذلك .
وحكى ابن جرير عن بعضهم قال : إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس ، ثم أورد في ذلك حديثا موضوعا بالكلية . ثم لم ينبه على ذلك ، وهذا أمر عجيب غريب منه .
{ ولو ترى إذ فزعوا } عند الموت أو البعث أو يوم بدر ، وجواب { لو } محذوف تقديره لرأيت أمرا فظيعا . { فلا فوت } فلا يفوتون الله بهرب أو تحصن . { وأخذوا من مكان قريب } من ظهر الأرض إلى باطنها ، أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى القليب ، والعطف على { فزعوا } أو لا فوت ويؤيده أنه قرئ " وأخذ " عطفا على محله أي : فلا فوت هناك وهناك أخذ .
لما جاءهم التعريض بالتهديد من لازم المتاركة المدلول عليها بقوله : { فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربي } [ سبأ : 50 ] للعلم بأن الضال يستحق العقاب أتبع حالهم حين يحلّ بهم الفزع من مشاهدة ما هدّدوا به .
والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تسلية له أو لكل مخاطب . وحذف جواب { لو } للتهويل . والتقدير : لرأيت أمراً فظيعاً .
ومفعول { ترى } يجوز أن يكون محذوفاً ، أي لو تراهم ، أو ترى عذابهم ويكونَ { إذ فزعوا } ظرفاً ل { ترى } ويجوز أن يكون { إذ } هو المفعول به وهو مجرد عن الظرفية ، أي لو ترى ذلك الزمان ، أي ترى ما يشتمل عليه .
والفزع : الخوف المفاجىء ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : " إنكم لَتَكْثُرون عند الفَزَع وتَقِلُّون عند الطمع " . وهذا الفزع عند البعث يشعر بأنهم كانوا غير مهيِّئين لهذا الوقت أسبابَ النجاة من هوله .
والأخذ : حقيقته التناول وهو هنا مجاز في الغلب والتمكن بهم كقوله تعالى : { فأخذهم أخذة رابية } [ الحاقة : 10 ] . والمعنى : أُمسِكُوا وقَبض عليهم لملاقاة ما أعد لهم من العقاب .
وجملة { فلا فوت } معترضة بين المتعاطفات . والفوت : التفلت والخلاص من العقاب ، قال رويشد الطائي :
إن تذنبوا ثم تأتيني بقيتكم *** مما علي بذنب منكم فوت
أي إذا أذنبتم فجاءت جماعة منكم معتذرين فذلك لا يدفع عنكم جزاءكم على ذنبكم .
وفي « الكشاف » : « ولو ، وإذْ ، والأفعال التي هي فَزِعوا ، وأُخذوا ، وحيل بينهم ، كلها للمضيّ ، والمراد بها الاستقبال لأن ما الله فاعله في المستقبل بمنزلة ما كان ووُجد لتحققه » اهـ . ويزداد عليها فعل { وقالوا } .
والمكان القريب : المحشر ، أي أخذوا منه إلى النار ، فاستغني بذكر { مِن } الابتدائية عن ذكر الغاية لأن كل مبدأ له غاية ، ومعنى قرب المكان أنه قريب إلى جهنم بحيث لا يجدون مهلة لتأخير العذاب .
وليس بين كلمتي { قريب } هنا والذي في قوله : { إنه سميع قريب } [ سبأ : 50 ] ما يشبه الإِيطاء في الفواصل لاختلاف الكلمتين بالحقيقة والمجاز فصار في الجمع بينهما محسِّن الجناس التام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.