تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا } ، قال ابن عباس : الإلحاد : وضع الكلام على غير مواضعه .

وقال قتادة وغيره : هو الكفر والعناد .

وقوله : { لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا } أي : فيه تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، أي : إنه تعالى عالم بمن يلحد في آياته وأسمائه وصفاته ، وسيجزيه على ذلك بالعقوبة والنكال ؛ ولهذا قال : { أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ؟ أي : أيستوي هذا وهذا ؟ لا يستويان .

ثم قال - عز وجل - تهديدًا {[25739]} للكفرة : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } قال مجاهد ، والضحاك ، وعطاء الخراساني : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } : وعيد ، أي : من خير أو شر ، إنه عليم بكم وبصير بأعمالكم ؛ ولهذا قال : { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }


[25739]:- (1) في ت، س، أ: "مهددا".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

{ إن الذين يلحدون } يميلون عن الاستقامة . { في آياتنا } بالطعن والتحريف والتأويل الباطل والإلغاء فيها . { لا يخفون علينا } فنجازيهم على إلحادهم . { أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة } قابل الإلقاء في النار بالإتيان آمنا مبالغة في إحماد حال المؤمنين . { اعملوا ما شئتم } تهديد شديد . { إنه بما تعملون بصير } وعيد بالمجازاة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

{ إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ فى ءاياتنا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ }

استئناف ابتدائي قصد به تهديد الذين أهملوا الاستدلال بآيات الله على توحيده .

وقوله : { لا يخفون علينا } مراد به الكناية عن الوعيد تذكيراً لهم بإحاطة علم الله بكل كائن ، وهو متصل المعنى بقوله آنفاً : { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم } [ فصلت : 22 ] الآية .

والإِلحاد حقيقته : الميل عن الاستقامة ، والآيات تشمل الدلائل الكونية المتقدمة في قوله : { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } [ فصلت : 9 ] وقوله : { ومن آياته الليل والنهار } [ فصلت : 37 ] الخ . وتشمل الآيات القولية المتقدمة في قوله : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } [ فصلت : 26 ] . فالإِلحاد في الآيات مستعار للعدول والانصراف عن دلالة الآيات الكونية على ما دلت عليه . والإلحاد في الآيات القولية مستعار للعدول عن سَماعها وللطعن في صحتها وصرف الناس عن سماعها .

وحرف { في } مِن قوله : { فِي ءاياتنا } للظرفية المجازية لإِفادة تمكن إلحادهم حتى كأنه مظروف في آيات الله حيثما كانت أو كلما سمعوها . ومعنى نفي خفائهم : نفي خفاء إلحادهم لا خفاء ذواتهم إذ لا غرض في العلم بذواتهم .

{ أَفَمَن يلقى فِى النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتى ءَامِناً يَوْمَ القيامة } .

تفريع على الوعيد في قوله : { لا يَخْفُونَ عَلَيْنَا } لبيان أن الوعيد بنار جهنم تعريض بالمشركين بأنهم صائرون إلى النار ، وبالمؤمنين بأنهم آمنون من ذلك .

والاستفهام تقريع مستعمل في التنبيه على تفاوت المرتبتين .

وكنّي بقوله : { يَأتِي ءَامِناً } أن ذلك الفريق مصيره الجنة إذ لا غاية للأمن إلا أنه في نعيم . وهذه كناية تعريضية بالذين يُلحدون في آيات الله .

وفي الآية محسن الاحتباك ، إذ حذف مقابل : ( من يُلقَى في النار ) وهو : من يدخل الجنة ، وحذف مقابل : { مَن يأتي ءامناً } وهو : من يأتي خائفاً ، وهم أهل النار .

{ اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بصير }

الجملة تذييل لجملة { إنَّ الذين يُلْحِدون في ءاياتنا } الخ ، كما دل عليه قوله عقبه : { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم } [ فصلت : 41 ] الآية ، أي لا يخفى علينا إلحادهم ولا غيره من سيِّىء أعمالهم . وإنما خص الإِلحاد بالذكر ابتداء لأنه أشنع أعمالهم ومصدر أسوائها .

والأمر في قوله : { اعْمَلُوا ما شِئْتُم } مستعمل في التهديد ، أو في الإِغراء المكنّى به عن التهديد .

وجملة : { إنَّه بِمَا تعمَلونُ بَصِيرٌ } وعيد بالعقاب على أعمالهم على وجه الكناية .

وتوكيده ب ( إنَّ ) لتحقيق معنييه الكنائي والصريح ، وهو تحقيق إحاطة علم الله بأعمالهم لأنهم كانوا شاكين في ذلك كما تقدم في قصة الثلاثة الذين نزل فيهم قوله تعالى : { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم } [ فصلت : 22 ] الآية .

والبصير : العليم بالمبصرات .