تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

وقوله : { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي : في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا ، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه . ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة ، إذا تجلى الرب ، عز وجل ، فيسجد له المؤمنون ، لا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجُد ، بل يعود ظهر أحدهم طبقًا واحدًا ، كلما أراد أحدهم أن يسجد خَرّ لقفاه ، عكس السجود ، كما كانوا في الدنيا ، بخلاف ما عليه المؤمنون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة تلحقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا أو زمان الصحة وهم سالمون متمكنون منه مزاحوا العلل فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

و : { خاشعة } نصب على الحال وجوارحهم كلها خاشعة ، أي ذليلة ولكنه خص الأبصار بالذكر لأن الخشوع فيها أبين منه في كل جارحة . وقوله تعالى : { ترهقهم ذلة } أي تزعج نفوسهم وتظهر عليهم ظهوراً يخزيهم ، وقوله تعالى : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } يريد في دار الدنيا وهم سالمون مما نال عظام ظهورهم من الاتصال والعتو ، وقال بعض المتأولين : { السجود } هنا عبارة عن جميع الطاعات ، وخص { السجود } بالذكر من حيث هو عظم الطاعات ، ومن حيث به وقع امتحانهم في الآخرة ، وقال إبراهيم التيمي{[11264]} والشعبي : أراد ب { السجود } الصلوات المكتوبة ، وقال ابن جبير : المعنى كانوا يسمعون النداء للصلاة : وحي على الفلاح فلا يجيبون ، وفلج الربيع بن خيثم{[11265]} : فكان يهادي بين رجلين إلى المسجد ، فقيل له : إنك لمعذور ، فقال : من سمع حي على الفلاح ، فليجب ولو حبواً ، وقيل لابن المسيب : إن طارقاً يريد قتلك فاجلس في بيتك ، فقال : أسمع حي على الفلاح فلا أجيب ؟ والله لا فعلت . وهذا كله قريب بعضه من بعض .


[11264]:هو إبراهيم بن سالم بن أبي أمية التميمي، المدني، أبو إسحق المعروف ببردان –بفتح الباء والراء- صدوق، من السادسة، مات سنة ثلاث وخمسين، وهناك إبراهيم بن أدهم ابن منصور العجلي، أبو إسحق البلخي الزاهد، من الطبقة الثامنة، مات سنة اثنتين وستين، إذ يقال له أيضا: التميمي، ولكنا نميل إلى أن المقصود هو الأول.
[11265]:هو الربيع بن خثيم (بضم الخاء وفتح الثاء- وضبطه في الخلاصة "خيثم" بفتح الخاء وسكون الياء وفتح الثاء) بن عائذ بن عبد الله الثوري، أبو يزيد الكوفي، ثقة، عابدا، مخضرم، من الطبقة الثانية، قال له عبد الله بن مسعود: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك، مات سنة إحدى وستين، وقيل: بل سنة ثلاث وستين. (تقريب التهذيب).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

وخشوع الأبصار : هيئة النظر بالعين بذلة وخَوف ، استعير له وصف { خاشعة } لأن الخاشع يكون مطأطئا مختفياً .

و { ترهقهم } : تحل بهم وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم ، رَهِقَ من باب فَرِح قال تعالى : { تَرْهَقُها قَتَرة } [ عبس : 41 ] .

وجملة { ترهقهم ذلة } حال ثانية من ضمير { يستطيعون .

وجملة وقد كانوا يُدْعَوْن إلى السجود وهم سالمون } معترضة بين ما قبلها وما تفرع عنها ، أي كانوا في الدّنيا يُدعون إلى السجود لله وحده وهم سالمون من مثل الحالة التي هم عليها في يوم الحشر . والواو للحال وللاعتراض .

وجملة { وهم سالمون } حال من ضمير { يُدعون } أي وهم قادرون لا علة تعوقهم عنه في أجسادهم . والسلامة : انتفاء العلل والأمراض بخلاف حالهم يوم القيامة فإنهم مُلْجَأُون لعدم السجود .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ} (43)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{خاشعة أبصارهم} عند معاينة النار.

{ترهقهم ذلة} يعنى تغشاهم مذلة.

{وقد كانوا يدعون إلى السجود} يعني يؤمرون بالصلاة الخمس.

{وهم سالمون} كانوا معافون في الدنيا...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

تغشاهم ذلة من عذاب الله،" وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ "يقول: وقد كانوا في الدينا يدعونهم إلى السجود له، وهم سالمون، لا يمنعهم من ذلك مانع، ولا يحول بينه وبينهم حائل.

وقد قيل: السجود في هذا الموضع: الصلاة المكتوبة.

" وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُون ": هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون، فاليوم يدعوهم وهم خائفون.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

يذكرهم بذلك ليزدادوا حسرةً، ولتكونَ الحجةُ عليهم أبلغَ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: لم يدعون إلى السجود ولا تكليف؟ قلت: لا يدعون إليه تعبداً وتكليفاً، ولكن توبيخاً وتعنيفاً على تركهم السجود في الدنيا، مع إعقام أصلابهم والحيلولة بينهم وبين الاستطاعة تحسيراً لهم وتنديماً على ما فرّطوا فيه حين دعوا إلى السجود، وهم سالمون الأصلاب والمفاصل يمكنون مزاحو العلل فيما تعبدوا به...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

جوارحهم كلها خاشعة، أي ذليلة، ولكنه خص الأبصار بالذكر لأن الخشوع فيها أبين منه في كل جارحة.

{ترهقهم ذلة} أي تزعج نفوسهم وتظهر عليهم ظهوراً يخزيهم،

{وقد كانوا يدعون إلى السجود} يريد في دار الدنيا وهم سالمون مما نال عظام ظهورهم من الاتصال والعتو.

وقال بعض المتأولين: {السجود} هنا عبارة عن جميع الطاعات، وخص السجود بالذكر من حيث هو عظم الطاعات، ومن حيث به وقع امتحانهم في الآخرة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

يعني يلحقهم ذل بسبب أنهم ما كانوا مواظبين على خدمة مولاهم، مثل العبد الذي أعرض عنه مولاه، فإنه يكون ذليلا فيما بين الناس.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي: في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه. ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ربما ظن ظان أن المانع لهم الكبر كما في هذه الدنيا، قال مبيناً لنفي الكبر في مثل هذا اليوم العظيم {خاشعة} أي مخبتة متواضعة {أبصارهم} لأن ما في القلب يعرف في العين، وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم ووجوههم أضوأ من الشمس، ووجوه الكافرين والمنافقين سود مظلمة. ولما كان الخاشع لذلك قد يكون خشوعه لخير عنده حمله على ذلك مع العز قال: {ترهقهم} أي تغشاهم وتقهرهم {ذلة} أي عظيمة لأنهم استعملوا الأعضاء التي أعطاهموها سبحانه وتعالى ليتقربوا بها إليه في دار العمل في التمتع بما يبعد منه. ولما دلت هذه العبارة مطابقة لما ورد في الحديث الصحيح على أن من كان في قلبه مرض في الدنيا يصير ظهره طبقاً واحداً فقارة واحدة فيعالج السجود فيصير كلما أراده انقلب لقفاه، عجب منهم في ملازمة الظلم الذي هو إيقاع الشيء في غير موقعه فقال: {وقد} أي والحال أنهم {كانوا} أي دائماً بالخطاب الثابت {يدعون} في الدنيا من كل داع يدعو إلينا {إلى السجود وهم} أي فيأبونه والحال أنهم {سالمون} أي فهم مستطيعون، ليس في أعضائهم ما يمنع من ذلك، وإنما يمنعهم منه الشماخة والكبر.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يكمل رسم هيئتهم: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة).. هؤلاء المتكبرون المتبجحون. والأبصار الخاشعة والذلة المرهقة هما المقابلان للهامات الشامخة والكبرياء المنفوخة. وهي تذكر بالتهديد الذي جاء في أول السورة: (سنسمه على الخرطوم).. فإيحاء الذلة والانكسار ظاهر عميق مقصود!

وبينما هم في هذا الموقف المرهق الذليل، يذكرهم بما جرهم إليه من إعراض واستكبار: (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون).. قادرون على السجود. فكانوا يأبون ويستكبرون.. كانوا. فهم الآن في ذلك المشهد المرهق الذليل. والدنيا وراءهم. وهم الآن يدعون إلى السجود فلا يستطيعون!...