تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۭ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّـٰيَ فَٱتَّقُونِ} (41)

[ { مُصَدِّقًا } ماضيًا منصوبًا على الحال من { بِمَا } أي : بالذي أنزلت مصدقًا أو من الضمير المحذوف من قولهم : بما أنزلته مصدقًا ، ويجوز أن يكون مصدرًا من غير الفعل وهو قوله : { بِمَا أَنزلْتُ مُصَدِقًا } ] {[1631]} يعني به : القرآن الذي أنزله على محمد النبي الأمي العربي بشيرًا ونذيرًا وسراجًا منيرًا مشتملا على الحق من الله تعالى ، مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل .

قال أبو العالية ، رحمه الله ، في قوله : { وَآمِنُوا بِمَا أَنزلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } يقول : يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدقًا لما معكم يقول : لأنهم يجدون محمدًا صلى الله عليه وسلم مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل .

وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك .

وقوله : { وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } [ قال بعض المفسرين : أول فريق كافر به ونحو ذلك ]{[1632]} . قال ابن عباس : { وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم .

وقال أبو العالية : يقول : { وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ [ كَافِرٍ بِهِ } أول ]{[1633]} من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم [ يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعهم بمحمد وبمبعثه ]{[1634]} .

وكذا قال الحسن ، والسدي ، والربيع بن أنس .

واختار ابن جرير أن الضمير في قوله : { بِهِ } عائد على القرآن ، الذي تقدم ذكره في قوله : { بِمَا أَنزلْتُ }

وكلا القولين صحيح ؛ لأنهما متلازمان ، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن .

وأما قوله : { أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } فيعني به أول من كفر به من بني إسرائيل ؛ لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بَشر كثير ، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة ، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن ، فكفرهم به يستلزم أنهم أول من كفر به من جنسهم .

وقوله : { وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا } يقول : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها ، فإنها قليلة فانية ، كما قال عبد الله بن المبارك : أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن هارون بن زيد{[1635]} قال : سُئِل الحسن ، يعني البصري ، عن قوله تعالى : { ثَمَنًا قَلِيلا } قال : الثمن القليل الدنيا بحذافيرها .

وقال ابن لَهِيعة : حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : { وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا } وإن آياته : كتابه الذي أنزله{[1636]} إليهم ، وإن الثمن القليل : الدنيا وشهواتها .

وقال السدي : { وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا } يقول : لا تأخذوا طمعًا قليلا ولا تكتموا{[1637]} اسم الله لذلك الطمع وهو الثمن .

وقال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : { وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا } يقول : لا تأخذوا عليه أجرًا . قال : وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول : يا ابن آدم عَلِّم مَجَّانا كما عُلِّمت مَجَّانا .

وقيل : معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع في الناس بالكتمان واللبس لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب ، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة " {[1638]} وأما تعليم العلم بأجرة ، فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة ، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله ، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب ، فهو كما لم يتعين عليه ، وإذا لم يتعين عليه ، فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء ، كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ : " إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله " {[1639]} وقوله في قصة المخطوبة : " زوجتكها بما معك من القرآن " {[1640]} فأما حديث عبادة بن الصامت ، أنه علم رجلا من أهل الصفة شيئًا من القرآن فأهدى له قوسًا ، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله " فتركه ، رواه أبو داود{[1641]} وروي مثله عن أبي بن كعب مرفوعًا{[1642]} فإن صح إسناده فهو محمول عند كثير من العلماء منهم : أبو عمر بن عبد البر على أنه لما علمه الله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس ، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة ، والله أعلم .

{ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عمر الدوري ، حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية ، عن طلق بن حبيب ، قال : التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله ، والتقوى أن تترك معصية الله مخافة عذاب الله على نور من الله .

ومعنى قوله : { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } أنه تعالى يتوعدهم فيما يتعمدونه من كتمان الحق وإظهار خلافه{[1643]} ومخالفتهم الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه .


[1631]:زيادة من جـ، ب، و.
[1632]:زيادة من جـ، ب، و.
[1633]:زيادة من جـ.
[1634]:في جـ، ط، ب، أ، و.
[1635]:في جـ، ط، ب، أ، و: "بن يزيد".
[1636]:في جـ: "آياته التي أنزل".
[1637]:في جـ، ب: "وتكتموا".
[1638]:سنن أبي داود برقم (3664).
[1639]:صحيح البخاري برقم (5007) وهذا اللفظ هو لفظ حديث ابن عباس.
[1640]:رواه البخاري في صحيحه برقم (5149) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
[1641]:سنن أبي داود برقم (3416).
[1642]:رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/125) من طريق عبد الرحمن بن أبي مسلم، عن عطية بن قيس، عن أبي بن كعب رضي الله عنه به مرفوعا، وهو منقطع.
[1643]:في أ: "وإظهاره الباطل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۭ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّـٰيَ فَٱتَّقُونِ} (41)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدّقاً لّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوَاْ أَوّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيّايَ فَاتّقُونِ }

قال أبو جعفر : يعني بقوله : آمِنُوا : صدّقوا ، كما قد قدمنا البيان عنه قبل . ويعني بقوله : بمَا أنْزَلْت : ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن . ويعني بقوله : مُصَدّقا لِمَا مَعَكُمْ أن القرآن مصدّق لما مع اليهود من بني إسرائيل من التوراة . فأمرهم بالتصديق بالقرآن ، وأخبرهم جل ثناؤه أن في تصديقهم بالقرآن تصديقا منهم للتوراة لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتباعه نظير الذي من ذلك في الإنجيل والتوراة . ففي تصديقهم بما أنزل على محمد تصديق منهم لما معهم من التوراة ، وفي تكذيبهم به تكذيب منهم لما معهم من التوراة . وقوله : مُصَدّقا قَطْعٌ من الهاء المتروكة في أنْزَلْتُهُ من ذكر «ما » . ومعنى الكلام : وآمنوا بالذي أنزلته مصدّقا لما معكم أيها اليهود . والذي معهم هو التوراة والإنجيل . كما :

حدثنا به محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقا لِمَا مَعَكُمْ يقول : إنما أنزلت القرآن مصدقا لما معكم التوراة والإنجيل .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : وآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقا لِمَا مَعَكُمْ يقول : يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدّقا لما معكم . يقول : لأنهم يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلاَ تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : كيف قيل : وَلاَ تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ والخطاب فيه لجمع وكافر واحد ؟ وهل نجيز إن كان ذلك جائزا أن يقول قائل : لا تكونوا أوّل رجل قام ؟ قيل له : إنما يجوز توحيد ما أضيف له «أفعل » ، وهو خبر لجمع ، إذا كان مشتقا من «فعل » و«يفعل » لأنه يؤدي عن المراد معه المحذوف من الكلام ، وهو «مَنْ » ، ويقوم مقامه في الأداء عن معنى ما كان يؤدي عنه «مَنْ » من الجمع والتأنيث وهو في لفظ واحد . ألا ترى أنك تقول : ولا تكونوا أوّل من يكفر به ، ف«مَنْ » بمعنى جمع وهو غير متصرّف تصرّف الأسماء للتثنية والجمع والتأنيث . فإذا أقيم الاسم المشتق من فعل ويفعل مقامه ، جرى وهو موحد مجراه في الأداء عما كان يؤدّي عنه من معنى الجمع والتأنيث ، كقولك : الجيش ينهزم ، والجند يقبل فتوحد الفعل لتوحيد لفظ الجيش والجند ، وغير جائز أن يقال : الجيش رجل ، والجند غلام ، حتى تقول : الجند غلمان ، والجيش رجال لأن الواحد من عدد الأسماء التي هي غير مشتقة من فعل ويفعل لا يؤدي عن معنى الجماعة منهم ، ومن ذلك قول الشاعر :

وَإذَا هُمُ طَعِمُوا فألأَمُ طاعِمٍ *** وَإِذَا هُمُ جاعُوا فَشَرّ جِياعِ

فوحد مرّة على ما وصفت من نية «مَنْ » ، وإقامة الظاهر من الاسم الذي هو مشتقّ من فعل ويفعل مقامه . وجمع أخرى على الإخراج على عدد أسماء المخبر عنهم . ولو وحد حيث جمع أو جمع حيث وحد كان صوابا جائزا .

فأما تأويل ذلك فإنه يعني به : يا معشر أحبار أهل الكتاب صدّقوا بما أنزلت على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن المصدّق كتابكم ، والذي عندكم من التوراة والإنجيل المعهود إليكم فيهما أنه رسولي ونبي المبعوث بالحقّ ، ولا تكونوا أوّل من كذّب به وجحد أنه من عندي وعندكم من العلم به ما ليس عند غيركم . وكفرُهم به : جحودهم أنه من عند الله ، والهاء التي في «به » من ذكر «ما » التي مع قوله : وآمِنُوا بِمَا أنْزَلْتُ . كما :

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج في قوله : وَلا تَكُونُوا أولَ كَافِرٍ بِهِ بالقرآن .

قال أبو جعفر : ورُوي عن أبي العالية في ذلك ما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : وَلاَ تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ يقول : لا تكونوا أوّل من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

وقال بعضهم : وَلا تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ يعني بكتابكم ، ويتأوّل أن في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم تكذيبا منهم بكتابهم لأن في كتابهم الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم .

وهذان القولان من ظاهر ما تدلّ عليه التلاوة بعيدان . وذلك أن الله جل ثناؤه أمر المخاطبين بهذه الآية في أوّلها بالإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال جل ذكره : وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقا لِمَا مَعَكُمْ ومعقول أن الذي أنزله الله في عصر محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن لا محمد ، لأن محمدا صلوات الله عليه رسول مرسل لا تنزيلٌ مُنزل ، والمنزل هو الكتاب . ثم نهاهم أن يكونوا أوّل من يكفر بالذي أمرهم بالإيمان به في أوّل الآية من أهل الكتاب . فذلك هو الظاهر المفهوم ، ولم يجر لمحمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ذكر ظاهر فيعاد عليه بذكره مكنيّا في قوله : وَلا تَكُونُوا أوّلَ كافِرٍ بِهِ ، وإن كان غير محال في الكلام أن يذكر مكنيّ اسم لم يجر له ذكر ظاهر في الكلام . وكذلك لا معنى لقول من زعم أن العائد من الذكر في «به » على «ما » التي في قوله : لِمَا مَعَكُمْ لأنّ ذلك وإن كان محتملاً ظاهر الكلام ، فإنه بعيد مما يدلّ عليه ظاهر التلاوة والتنزيل ، لما وصفنا قبل من أن المأمور بالإيمان به في أوّل الآية هو القرآن ، فكذلك الواجب أن يكون المنهي عن الكفر به في آخرها هو القرآن . وأما أن يكون المأمور بالإيمان به غير المنهي عن الكفر به في كلام واحد وآية واحدة ، فذلك غير الأشهر الأظهر في الكلام ، هذا مع بعد معناه في التأويل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَآمنُوا بِمَا أنْزَلْتَ مصَدّقا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنا قَلِيلاً .

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

فحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية وَلاَ تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنا قَلِيلاً يقول : لا تأخذوا عليه أجرا . قال : هو مكتوب عندهم في الكتاب الأول : يا ابن آدم عَلّمْ مجانا كما عُلّمْتَ مَجّانا .

وقال آخرون بما :

حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنا قَلِيلاً يقول : لا تأخذوا طمعا قليلاً وتكتموا اسم الله . فذلك الطمع هو الثمن .

فتأويل الآية إذا : لا تبيعوا ما آتيتكم من العلم بكتابي وآياته بثمن خسيس وعرض من الدنيا قليل . وبيعهم إياه تركهم إبانة ما في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس ، وأنه مكتوب فيه أنه النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل بثمن قليل ، وهو رضاهم بالرياسة على أتباعهم من أهل ملتهم ودينهم ، وأخذهم الأجر ممن بينوا له ذلك على ما بينوا له منه .

وإنما قلنا معنى ذلك : «لا تبيعوا » لأن مشترى الثمن القليل بآيات الله بائع الاَيات بالثمن ، فكل واحد من الثمن والمثمن مبيع لصاحبه ، وصاحبه به مشتري . وإنما معناه على ما تأوّله أبو العالية : بينوا للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا تبتغوا عليه منهم أجرا . فيكون حينئذٍ نهيه عن أخذ الأجر على تبيينه هو النهي عن شراء الثمن القليل بآياته .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإيّايَ فاتّقُونِ .

قال أبو جعفر : يقول : فاتقون في بيعكم آياتي بالخسيس من الثمن ، وشرائكم بها القليل من العَرَض ، وكفركم بما أنزلت على رسولي ، وجحودكم نبوّة نبيي أن أحلّ بكم ما أحللت بأسلافكم الذين سلكوا سبيلكم من المَثُلات والنّقِمَات .