وفي قوله تعالى : { وآمنوا بما أنزلت{[2051]} } أي أوجدت إنزاله { مصدقاً لما معكم } تقرير لذلك الكتاب لا ريب فيه ، وأمروا كما قال الحرالي تجديد الإيمان بالقرآن لما فيه من إنباء بأمور من المغيبات التي لم تكن في كتابهم كتفاصيل أمور الآخرة التي استوفاها القرآن ، لأنه خاتم ليس وراءه كتاب ينتظر فيه بيان ، وقد أبقى لكل كتاب قبله بقية أحيل فيها على ما بعده - ليتناءى البيان إلى غاية ما أنزل به القرآن حين لم يعهد إليهم إلا في أصله على الجملة - انتهى . وفي قوله : { ولا تكونوا أول كافر به } معنى دقيق في تبكيتهم وأمر جليل من تعنيفهم{[2052]} وذلك أنه ليس المراد من { أول }{[2053]} ظاهر معناه المتبادر{[2054]} إلى الذهن{[2055]} فإن العرب كثيراً ما تطلق الأول ولا تريد حقيقته بل المبالغة في السبق ، كما قال مقيس بن صبابة{[2056]} وقد قتل شخصاً من الصحابة رضوان الله عليهم كان قتل أخاه خطأ ورجع إلى مكة مرتداً .
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي *** وكنت إلى الأوثان أول راجع
هذا في جانب الإثبات ، فإذا نفيت ناهياً فقلت : لا تكن أول فاعل لكذا ، فمعناه إنك إن{[2057]} فعلت ذلك لم تكن صفتك إلا كذلك ، فهو خارج مخرج المبالغة في الذم بما هو صفة المنهي فلا مفهوم له ، وعبر به تنبيهاً على أنهم لما تركوا اتباع هذا الكتاب [ كانوا-{[2058]} ] لما عندهم من العلم بصحته في غاية اللجاجة فكان عملهم في كفرهم وإن تأخر عمل من يسابق شخصاً إلى شيء ، أو يكون المعنى أنهم لم يمنعهم من الإيمان به جهل بالنظر ولا عدم إطلاع على ما أتى به أنبياؤهم من البشر بل مجرد الحسد للعرب أن يكون منهم نبي المستلزم لحسد هذا النبي بعينه ، لأن الحكم على الأعم يستلزم الحكم على الأخص بما هو من أفراد الأعم . فصارت رتبة كفرهم قبل رتبة كفر العرب الجاهلين به أو{[2059]} الحاسدين له صلى الله عليه وسلم بخصوصه لا لعموم العرب ، فكان أهل الكتاب أول كافر به لا يمكن أن يقع كفرهم إلا على هذا الوجه الذي هو أقبح الوجوه ، فالمعنى لا تكفروا به ، فإنه إن وقع منكم كفر به كان أول كفر ، لأن رتبته أول رتب الكفر الواقع ممن سواكم فكنتم أول كافر فوقعتم في أقبح وجوه الكفر ، {[2060]}ولذا أفرد ولم يقل : كافرين{[2061]} - والله أعلم{[2062]} .
ولما نهاهم عن الكفر بالآيات نهاهم عن الحامل عليه لقوله : { ولا تشتروا } أي تتكلفوا{[2063]} وتلحوا في أن تستبدلوا{[2064]} { بآياتي } أي التي تعلمونها في الأمر باتباع هذا النبي الكريم { ثمناً قليلاً }{[2065]} وهو رياسة قومكم وما تأخذونه من الملوك وغيرهم على حمل الشريعة ، والقلة ما قصر عن الكفاية - قاله الحرالي . { وإياي } أي خاصة { فاتقون } أي اجعلوا لكم وقاية من إنزال غضبي ، فالتقوى نتيجة الرهبة كما أن هذه الأفعال نتيجة ما في آية الرهبة ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.