تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۭ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّـٰيَ فَٱتَّقُونِ} (41)

الآية 41 وقوله : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ) على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ( مصدقا لما معكم ) من الكتب من التوراة والإنجيل وغيرهما ، وهم قد عرفوا موافقته كتبهم ؛ إذ لم يتكلفوا جمع هذا إلى كتبهم ومقابلة بعض ببعض .

أو يحتمل قوله : ( مصدقا ) أي موافقا ( لما معكم ) من الكتب . وليس كما قال صنف من الكفرة ، وهم الصابئون : إن الإنجيل نزل بالرخص ، والتوراة نزلت بالشدائد ، فقالوا باثنين لما لم يروا نزول الكتب : بعضها على الرخص وبعضها على الشدائد من واحد حكمة . فقال عز وجل : ( مصدقا ) أي موافقا للكتب ، وإنها إنما نزلت من واحد لا شريك له ، وإن كان فيه شدائد ورخص ؛ إذ لله أن ينهى هذا عن شيء ، ويأمر آخر ، وينهى في وقت ؛ ويأمر به في وقت ، وليس فيه{[684]} خروج عن الحكمة ؛ إنما الخروج عن الحكمة ]{[685]} أن يأمر أحدا ، وينهاه في وقت واحد وفي حال واحدة وفي شيء واحد .

ثم في الآية دلالة أن المنسوخ موافق للناسخ غير مخالف له لأن من الأحكام والشرائع ما كانت في كتبهم ، ثم نسخت لنا ، فلوا كان فيها خلاف{[686]} لظهر القول منهم : إنه مخالف ، وإنه غير موافق . وكذلك في القرآن ناسخ ومنسوخ ، [ فلم يكن ]{[687]} بعض مخالفا لبعض{[688]} كقوله ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) [ النساء : 82 ] .

وقوله : ( ولا تكونوا أول كافر به ) قيل فيه بوجهين : قيل : لا تكونوا أول قدوة يقتدى بكم في الكفر . وقيل : ( ولا تكونوا أول كافر ) في ما آمنتم به ؛ لأنهم كانوا آمنوا به قبل أن يبعث ، فلما بعث كفروا به .

[ وقيل : هم أول من التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ظهر بين أظهرهم ، فلو كفروا لكانوا أول من يكفر به ]{[689]} فيلحقهم ما يلحق من سن الكفر لقومه مع ما يكونون هم بمعنى الحجة لغيرهم ، إذ كانوا أعرف به وأبصر بما معه من الأدلة والبراهين ، فيقتدى بهم من لم يشهد ، ولا علم ، فيكون عليهم لو كفروا ما على أول من كفر ، ولا قوة إلا بالله مع ما يلحقهم فيه وصف التنعت والتمرد ، والله الموفق .

وقوله : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) قيل : بحجتي . قال الحسن : ( الآيات{[690]} في جميع القرآن هي الدين كقوله : ( اشتروا الضلالة بالهدى ) [ البقرة : 16 و 175 ] . وأما عندنا فهي الحجج . وقد ذكرنا أن اسم الشراء قد يقع من اختيار شيء بشيء ، وإن لم يتلفظ بلفظ الشراء .

وقوله : ( وإياي فاتقون ) أي اتقوا عذابي ونقمتي . ويحتمل سلطاني وقدرتي . وقد ذكرناه{[691]} .


[684]:-ساقطة من ط م.
[685]:- من ط م.
[686]:-من ط م، في الأصل و ط ع: خلافا
[687]:-من ط م، في الأصل و ط ع: فلو لم يكن.
[688]:- في ط م: لبعضه.
[689]:-من ط م.
[690]:-في ط ع: آيات.
[691]:- ذلك في تفسير الآية: 21.