الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۭ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّـٰيَ فَٱتَّقُونِ} (41)

و { ءَامِنُواْ }[ البقرة :41 ] معناه : صدِّقوا ، و{ مُصَدِّقاً } نصبٌ على الحال من الضمير في { أَنزَلْتُ } ، و { مَا أَنزَلْتُ } كنايةٌ عن القرآن ، و{ لِّمَا مَعَكُمْ } ، يعني التوراةَ .

وقوله : { وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ }[ البقرة :41 ] .

هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكورُ فيه والمسكوتُ عنه حكُمُهما واحدٌ ، وَحُذِّرُوا البدارَ إلى الكفر به ، إِذ على الأول كِفْلٌ من فعل المقتدى به ، ونصب «أَوَّلَ » على خبر «كَانَ » .

( ع ) وقد كان كَفَر قبلهم كفار قريشٍ ، وإِنما معناه من أهل الكتاب ، إِذ هم منظورٌ إِليهم في مثل هذا ، واختلف في الضمير في «به » ، فقيل : يعود على محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : على القرآن ، وقيل : على التوراة ، واختلف في الثمن الذي نُهُوا أن يشتروه بالآياتِ .

فقالتْ طائفةٌ : إن الأحبار كانوا يُعلِّمُونَ دينَهم بالأجرة ، فَنُهُوا عن ذلك ، وفي كتبهم : «عَلِّمْ مَجَّاناً ، كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّاناً » ، أي : باطلاً بغير أجرة ، وقيل : كانتْ للأَحبار مأكلة يأكلونها على العِلْمِ ، وقال قوم : إن الأحبار أخذوا رُشاً على تغييرِ صفَةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فنُهُوا عن ذلك .

وقال قوم : معنى الآية : ولا تشتروا بأوامري ، ونواهِيَّ ، وآياتي ثمناً قليلاً ، يعني : الدنيا ومدَّتها والعيش الذي هو نزْرٌ لا خَطَر له ، وقد تقدَّم نظير قوله : { وإياي فاتقون } ، وبيْنَ «اتقون » ، و «ارهبون » فرق ، إن الرهبة مقرونٌ بها وعيدٌ بالغٌ .