و{ مُصَدّقًا } حال من «ما » في قوله : { مَا أُنزِلَتْ } أو من ضميرها المقدّر بعد الفعل ، أي : أنزلته . وقوله : { أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } إنما جاء به مفرداً ، ولم يقل كافرين حتى يطابق ما قبله لأنه وصف لموصوف محذوف مفرد اللفظ ، متعدد المعنى نحو فريق أو فوج . وقال الأخفش والفراء : إنه محمول على معنى الفعل ؛ لأن المعنى أوّل من كفر . وقد يكون من باب قولهم هو أظرف الفتيان ، وأجمله ، كما حكى ذلك سيبويه ، فيكون هذا المفرد قائماً مقام الجمع ، وإنما قال : { أوّل } مع أنه قد تقدّمهم إلى الكفر به كفار قريش ؛ لأن المراد أوّل كافر به من أهل الكتاب ؛ لأنهم العارفون بما يجب للأنبياء ، وما يلزم من التصديق ، والضمير في { به } عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي : لا تكونوا أوّل كافر بهذا النبي مع كونكم قد وجدتموه مكتوباً عندكم في التوراة ، والإنجيل ، مبشراً به في الكتب المنزلة عليكم . وقد حكى الرازي في تفسيره في هذا الموضع ما وقف عليه من البشارات برسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة ، وقيل : إنه عائد إلى القرآن المدلول عليه بقوله : { بِمَا أَنزَلْتُ } وقيل : عائد إلى التوراة المدلول عليها بقوله : { لمَا مَعَكُمْ } وقوله : { وَلاَ تَشْتَرُوا بآياتي } أي : بأوامري ونواهيّ { ثَمَناً قَلِيلاً } أي : عيشاً نزراً ، ورئاسة لا خطر لها . جعل ما اعتاضوه ثمناً ، وأوقع الاشتراء عليه ، وإن كان الثمن هو المشترى به ، لأن الاشتراء هنا مستعار للاستبدال ، أي لا تستبدلوا بآياتي ثمناً قليلاً ، وكثيراً ما يقع مثل هذا في كلامهم ، وقد قدّمنا الكلام عليه في تفسير قوله تعالى : { اشتروا الضلالة بالهدى } [ البقرة : 16 ] ، ومن إطلاق اسم الثمن على نيل عرض من أعراض الدنيا قول الشاعر :
إن كُنتَ حَاوْلتَ دُنْيَا أوْ ظَفِرتَ بِها *** فَمَا أصَبْت بترك الحج مِنْ ثَمن
وهذه الآية ، وإن كانت خطاباً لبني إسرائيل ونهياً لهم فهي متناولة لهذه الأمة بفحوى الخطاب أو بلحنه ، فمن أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به ، أو إثبات باطل نهى الله عنه ، أو امتنع من تعليم ما علمه الله ، وكتم البيان الذي أخذ الله عليه ميثاقه به ، فقد اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً ، وقوله : { وإياى فاتقون } الكلام فيه كالكلام في قوله تعالى : { وإياى فارهبون } [ البقرة : 40 ] وقد تقدم قريباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.