قوله { وآمنوا } معطوف على { اذكروا } والمراد { بما أنزلت } القرآن و{ مصدقاً } حال مؤكدة من الراجع المحذوف وفيه تفسيران : أحدهما أن في القرآن أن موسى وعيسى حق ، والتوراة والإنجيل حق ، والتوراة أنزل على موسى ، والإنجيل على عيسى ، فكان الإيمان بالقرآن مؤكداً للإيمان بالتوراة والانجيل والثاني أنه حصلت البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن في التوراة والإنجيل ، فكان الإيمان بمحمد والقرآن تصديقاً للتوراة والإنجيل ، والتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن تكذيباً لهما ، وفي هذا التفسير دلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من جهة أن شهادة كتب الأنبياء لا تكون إلا حقاً ، ومن جهة أنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن كتبهم ولم يكن له صلى الله عليه وسلم معرفة بذلك الأمر قبل الوحي { ولا تكونوا أول كافر به } صلى الله عليه وسلم أي أوّل من كفر به صلى الله عليه وسلم ، أو أوّل فريق أو فوج كافر به صلى الله عليه وسلم ، أو ولا يكن كل واحد منكم أوّل كافر به كقوله " كسانا حلة " أي كل واحد منا .
( وهنا سؤالان ) الأول : كيف جعلوا أوّل من كفر به صلى الله عليه وسلم وقد سبقهم إلى الكفر به صلى الله عليه وسلم مشركو العرب ؟ وفي الجواب وجوه : الأوّل : أنه تعريض وأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به صلى الله عليه وسلم لمعرفتهم به صلى الله عليه وسلم وبصفته ، ولأنهم كانوا المبشرين بزمان محمد صلى الله عليه وسلم والمستفتحين به على الذين كفروا ، وكانوا يعدّون أتباعه أولى الناس كلهم .
فلما بعث كان أمرهم على العكس { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } [ البقرة : 89 ] . والثاني : ولا تكونوا مثل أوّل كافر به يعني من أشرك من أهل مكة أي ولا تكونوا - وأنتم تعرفونه صلى الله عليه وسلم موصوفاً في التوراة - مثل من لم يعرفه صلى الله عليه وسلم لأنه لا كتاب له . الثالث : { ولا تكونوا أول كافر به } من أهل الكتاب ، لأن هؤلاء كانوا أول من كفر به وبالقرآن من بني إسرائيل . الرابع { ولا تكونوا أوّل كافر به } يعني بكتابكم . يقول ذلك لعلمائهم ، لأن تكذيبكم بمحمد صلى الله عليه وسلم يوجب تكذيبكم بكتابكم . الخامس : المراد بيان تغليظ كفرهم ، وذلك أن السابق إلى الكفر كفره غليظ " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها " والكافر عن دليل ومعرفة بما يوجب الإيمان كفره أغلظ ممن كفر ولا دليل له على الإيمان ، فاشتركا من هذا الوجه ، فصح إطلاق أحدهما على الآخر . السادس : ولا تكونوا أوّل من جحد مع المعرفة . السابع : أوّل فريق كفر من اليهود لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وبها قريظة والنضير ، فكفروا ثم تتابعت سائر اليهود على ذلك الكفر . الثامن : ولا تكونوا أول الكافرين به صلى الله عليه وسلم عند سماعكم بذكره صلى الله عليه وسلم ، بل تثبتوا وراجعوا عقولكم فيه صلى الله عليه وسلم .
السؤال الثاني : كأنه يجوز لهم الكفر إذا لم يكونوا أوّل الجواب ليس في ذكر الشيء دلالة على أن ما عداه بخلافه . وأيضاً في قوله { وآمنوا } دلالة على أن كفرهم أولاً وآخراً محظور . وأيضاً قوله { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } لا يدل على إباحة ذلك بالثمن الكثير . وقوله { رفع السماوات بغير عمد ترونها } [ الرعد : 2 ] لا يدل على وجود عمد لا نراها فكذلك ههنا . قال المبرد : هذا الكلام خطاب لقوم خوطبوا به قبل غيرهم ، فقيل لهم : لا تكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فإنه سيكون بعدكم كفار ، فلا تكونوا أنتم أول الكفار فإنه يكون عليكم وزر من كفر إلى يوم القيامة . والاشتراء استعارة للاستبدال كما قلنا في { اشتروا الضلالة بالهدى } [ البقرة : 16 ] أي لا تستبدلوا بآياتي ثمناً قليلاً ، وإلا فالثمن هو المشترى به ، والثمن القليل هو الرياسة التي كانت لهم في قومهم . خافوا عليها لفوات لو تبعوا دين الإسلام . وقيل : الثمن هو الرشا التي يأخذها علماؤهم على تحريف الكلم عن مواضعه وتسهيلهم لهم ما صعب عليهم من الشرائع { وإياي فاتقون } مثل { وإياي فارهبون } وقيل : الاتقاء إنما يكون عند الجزم بحصول ما يتقى عنه ، فكأنه أمرهم بالرهبة . على أن جواز العقاب قائم ، ثم أمرهم بالتقوى على أن يقين العقاب قائم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.