والدليل على ذلك ما رواه البخاري : حدثنا عبدان : أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرئاننا القرآن . ثم جاء عمار وبلال وسعد . ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين . ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به ، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون : هذا رسول الله قد جاء ، فما جاء حتى قرأت : " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " في سور مثلها{[1]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا إسرائيل ، عن ثُوَيْر بن أبي فاختَةَ ، عن أبيه ، عن علي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة : " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " تفرد به أحمد{[2]} .
وثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : " هلا صَلّيت بسبح اسم ربك الأعلى ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى " {[3]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن أبيه ، عن النعمان بن بشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيدين ب " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " و " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعا{[4]} .
هكذا وقع في مسند الإمام أحمد إسناد هذا الحديث . وقد رواه مسلم - في صحيحه - وأبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث أبو عَوَانة وجرير وشعبة ، ثلاثتهم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير ، به{[5]} قال الترمذي : " وكذا رواه الثوري ومسعر ، عن إبراهيم - قال : ورواه سفيان بن عيينة عن إبراهيم - عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن أبيه ، عن النعمان . ولا يعرف لحبيب رواية عن أبيه " .
وقد رواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن المنتشر ، عن أبيه عن حبيب بن سالم ، عن النعمان به{[6]} كما رواه الجماعة ، والله أعلم .
ولفظ مسلم وأهل السنن : كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة ب " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " و " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما .
وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الرحمن بن أبْزَى ، وعائشة أم المؤمنين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر ب " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " و " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " - زادت عائشة : والمعوذتين{[7]} .
وهكذا رُوي هذا الحديث - من طريق - جابر وأبي أمامة صُدَيّ بن عجلان ، وعبد الله بن مسعود ، وعمران بن حصين ، وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم{[8]} ولولا خشية الإطالة لأوردنا ما تيسر من أسانيد ذلك ومتونه ولكن في الإرشاد بهذا الاختصار كفاية ، والله أعلم .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا موسى - يعني ابن أيوب الغافقي - حدثنا عمي إياس بن عامر ، سمعت عقبة بن عامر الجهني لما نزلت : { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } [ الواقعة : 74 ، 96 ]قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجعلوها في ركوعكم " . فلما نزلت : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } قال : " اجعلوها في سجودكم " .
ورواه أبو داود وابن ماجة ، من حديث ابن المبارك ، عن موسى بن أيوب ، به{[29965]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسلم البَطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } قال : " سبحان ربي الأعلى " .
وهكذا رواه أبو داود عن زُهَير بن حرب ، عن وكيع ، به{[29966]} وقال : " خولف فيه وكيع ،
رواه أبو وكيع وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، موقوفا " .
وقال الثوري ، عن السدي ، عن عبد خير قال : سمعت عليا قرأ{[29967]} { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } فقال : سبحان ربي الأعلى .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حُمَيد ، حدثنا حَكَّام عن عَنْبَسة ، عن أبي إسحاق الهَمْداني : أن ابن عباس كان إذا قرأ : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } يقول : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ : { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [ القيامة : 1 ] فأتى على آخرها : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } [ القيامة : 40 ] يقول : سبحانك وبلى{[29968]} .
وقال قتادة : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } ذُكِرَ لنا أن نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها ، قال : " سبحان ربي الأعلى " .
القول في تأويل قوله تعالى : { سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ * الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ * وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ * وَالّذِيَ أَخْرَجَ الْمَرْعَىَ * فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىَ * سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىَ * إِلاّ مَا شَآءَ اللّهُ إِنّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىَ } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : سَبّحِ اسْم رَبّكَ الأعْلىَ فقال بعضهم : معناه : عظّم ربك الأعلى ، لا ربّ أعلى منه وأعظم . وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال : سبحان ربي الأعلى . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عمر أنه كان يقرأ : سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلىَ : سبحان ربي الأعلى الّذِي خَلَقَ فَسَوّى قال : وهي في قراءة أُبيّ بن كعب كذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السّديّ ، عن عبد خير ، قال : سمعت عليا رضي الله عنه قرأ : سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى فقال : سبحان ربي الأعلى .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي إسحاق الهمْداني ، أن ابن عباس كان إذا قرأ : سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى يقول : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فأتى على آخرها ألَيْسَ ذَلك بِقادِرٍ عَلى أنْ يُحْيِي المَوْتَى ؟ يقول : سبحانك اللهمّ وبَلَى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : سبحان ربيَ الأعلَى .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن خارجة ، عن داود ، عن زياد بن عبد الله ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى سبحان ربي الأعلَى .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : نزّه يا محمد اسم ربك الأعلى ، أن تسمي به شيئا سواه ، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون ، من تسميتهم آلهتهم بعضَها اللات ، وبعضَها العزّى .
وقال غيرهم : بل معنى ذلك : نزّهِ الله عما يقول فيه المشركون كما قال : وَلاَ تَسُبّوا الّذِينَ يَدْعَونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فيَسبّوا اللّهَ عَدْوا بِغَيرِ عِلْمٍ . وقالوا : معنى ذلك : سبح ربك الأعلى قالوا : وليس الاسم معنى .
وقال آخرون : نزّه تسميتك يا محمد ربك الأعلى وذكرك إياه ، أن تذكره إلاّ وأنت له خاشع متذلل قالوا : وإنما عُنِي بالاسم : التسمية ، ولكن وُضع الاسم مكان المصدر .
وقال آخرون : معنى قوله : سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى : صلّ بذكر ربك يا محمد ، يعني بذلك : صلّ وأنت له ذاكر ، ومنه وَجِل خائف .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب : قول من قال : معناه : نزّه اسم ربك أن تدعو به الاَلهة والأوثان ، لما ذكرت من الأخبار ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرأوا ذلك قالوا : سبحان ربيَ الأعلى ، فبَيّن بذلك أن معناه كان عندهم معلوما : عظم اسم ربك ، ونزّهه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.