السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، في قول الجمهور وقال الضحاك مدنية ، قال النووي : وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحيها لكثرة ما اشتملت عليه من العلوم والخبرات ، وهي تسع عشرة آية واثنتان وسبعون كلمة ومائتان وأربعة وثمانون حرفاً .

{ بسم الله } عالم الغيب فلا تخفى عليه خافية { الرحمن } الذي عمّ جوده كل أنس وجنّ وملك ودابة { الرحيم } الذي خص أولياءه بمعرفتهم إحسانه .

واختلف في قوله سبحانه وتعالى : { سبح اسم ربك } فالأكثرون على أن المعنى : نزه ربك المحسن إليك بعد إيجادك على صفة الكمال عما لا يليق به ، فاسم زائد ، كقول لبيد :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ***

وقيل : عَظِّمْ ربك { الأعلى } والاسم زائد كما مرّ ، قصد به تعظيم المسمى ، وذكر الطبري أن المعنى : نزه اسم ربك الأعلى عن أن تسمي به أحداً سواه . وقيل : نزه تسمية ربك وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم لذكره وقال الرازي : معنى { سبح اسم ربك الأعلى } أي : نزِّهْهُ عن كل ما لا يليق به في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه . أما في ذاته فأن تعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض ، وأما في صفاته فأن تعتقد أنها ليست محدثة ولا متناهيةٌ ولا ناقصة ، وأما في أفعاله فأن تعتقد أنه سبحانه مالك مطلق لا اعتراض لأحد عليه في أمر من الأمور ، وأما في أسمائه فأن لا تذكره سبحانه إلا بالأسماء التي لا توهم نقصاً بوجهٍ من الوجوه ، سواءٌ ورد الإذن فيها أم لم يرد ، وأما في أحكامه سبحانه فأن تعلم أنه ما كلفنا لنفع يعود إليه بل لمحض المالكية . قال البغوي : ويحتج بهذا من يجعل الاسم والمسمى واحد ، لأنّ أحداً لا يقول سبحان الله . وسبحان اسم ربنا إنما يقول : سبحان الله وسبحان ربنا . فكان معنى : { سبح اسم ربك } اه . وكون الاسم عين المسمى أو غيره قد ذكرتها في مقدّمتي على البسملة والحمدلة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : سبح أي : صل بأمر ربك . وذهب جماعة من الصحابة والتابعين على أنّ المراد قل : سبحان ربي الأعلى ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ { سبح اسم ربك الأعلى } فقال : «سبحان ربي الأعلى » . وعن عقبة بن عامر «أنه لما نزلت { فسبح باسم ربك العظيم } [ الواقعة : 74 ]

قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجعلوها في ركوعكم » . ولما نزل { سبح اسم ربك الأعلى }قال : اجعلوها في سجودكم » . وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك . وروي «أنّ أوّل من قال سبحان ربي الأعلى ميكائيل » .