البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأعلى

هذه السورة مكية . ولما ذكر فيما قبلها { فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ }

كأن قائلاً قال : من خلقه على هذا المثال ؟ فقيل :{ سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ } . وأيضاً لما قال :

{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } ، قيل : هو { سَنُقْرِئُكَ } ، أي ذلك القول الفصل .

{ سبح } : نزّه عن النقائص ، { اسم ربك } : الظاهر أن التنزيه يقع على الاسم ، أي نزهه عن أن يسمى به صنم أو وثن فيقال له رب أو إله ، وإذا كان قد أمر بتنزيهه اللفظ أن يطلق على غيره فهو أبلغ ، وتنزيه الذات أحرى .

وقيل : الاسم هنا بمعنى المسمى .

وقيل : معناه نزّه اسم الله عن أن تذكره إلا وأنت خاشع .

وقال ابن عباس : المعنى صلّ باسم ربك الأعلى ، كما تقول : ابدأ باسم ربك ، وحذف حرف الجر .

وقيل : لما نزل { فسبح باسم ربك العظيم } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اجعلوها في ركوعكم » فلما نزل : { سبح اسم ربك الأعلى } ، قال : « اجعلوها في سجودكم » وكانوا يقولون في الركوع : اللهم لك ركعت ، وفي السجود : اللهم لك سجدت .

قالوا : { الأعلى } يصح أن يكون صفة لربك ، وأن يكون صفة لاسم فيكون منصوباً ، وهذا الوجه لا يصح أن يعرب { الذي خلق } صفة لربك ، فيكون في موضع جر لأنه قد حالت بينه وبين الموصوف صفة لغيره .

لو قلت : رأيت غلام هند العاقل الحسنة ، لم يجز ؛ بل لا بد أن تأتي بصفة هند ، ثم تأتي بصفة الغلام فتقول : رأيت غلام هند الحسنة العاقل .

فإن لم يجعل الذي صفة لربك ، بل ترفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أو تنصبه على المدح ، جاز أن يكون الأعلى صفة لاسم .