فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأعلى

ويقال سورة سبح وهي تسع عشرة آية هي مكية في قول الجمهور ، وقال الضحاك مدنية ، وعن ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير وعائشة مثله .

وأخرج البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال " أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرآننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جاء فما جاء حتى قرأت { سبح اسم ربك الأعلى } " وسورة مثلها{[1]} .

وعن علي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب هذه السورة سبح اسم ربك الأعلى " أخرجه أحمد والبزار وابن مردويه أي لكثرة ما اشتملت عليه من العلوم والخيرات الحسان .

وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن عن النعمان بن بشير " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة { سبح اسم ربك الأعلى } و { هل أتاك حديث الغاشية } وإن وافق يوم جمعة قرأهما جميعا " وفي لفظ : وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما . وفي الباب أحاديث .

وأخرج مسلم وغيره عن جابر بن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في الظهر سبح اسم ربك الأعلى " .

وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ب { سبح اسم ربك الأعلى } { وقل يا أيها الكافرون } { قل هو الله أحد } .

وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بسبح وفي الركعة الثانية { قل يا أيها الكافرون } وفي الثالثة { قل هو الله أحد } والمعوذتين " .

وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ هلا صليت ب { سبح اسم ربك الأعلى } { والشمس وضحاها } { والليل إذا يغشى } .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ سبح اسم ربك الأعلى } أي نزهه عن كل ما لا يليق به في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه ، قال السدي : أي عظمه قيل والاسم هنا مقحم لقصد التعظيم ، قال ابن جرير المعنى نزه اسم ربك أن يسمى به أحد سواه ، فلا تكون لفظة " اسم " على هذا مقحمة وقيل المعنى نزه تسمية ربك وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت له خاشع معظم ولذكره محترم ، وقال الحسن معنى سبح صلى له وقيل المعنى صل بأسماء الله لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية وقيل المعنى ارفع صوتك بذكر ربك ومنه قول جرير :

قبح الإله وجوه تغلب كلما *** سبح الحجيج وكبروا تكبيرا

وقال جماعة من الصحابة والتابعين قل سبحان ربي الأعلى ، وقيل معناه نزه ربك الأعلى عما يصفه به الملحدون ، فعلى هذا يكون الاسم صلة ، والأعلى صفة للرب ، وقيل للاسم ، والأول أولى .

وعن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم ، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم ، فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه ولا مطعن في إسناده " .

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال سبحان ربي الأعلى " أخرجه أحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي ، وقال داود خولف فيه وكيع فرواه شعبة عن أبي إسحق عن سعيد عن ابن عباس موقوفا ، وأخرجه أيضا عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عنه أنه " كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال سبحان ربي الأعلى " .

وفي لفظ لعبد بن حميد عنه قال إذا قرأت سبح اسم ربك الأعلى فقل سبحان ربي الأعلى ، وعن علي بن أبي طالب " أنه قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة فقيل له أتزيد في القرآن قال لا إنما أمرنا بشيء فقلته " .

وعن أبي موسى الأشعري أنه قرأ في الجمعة سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى .

وعن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عمر يقرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى .

وكذلك هي في قراءة أبيّ بن كعب وعن عمر أنه كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال سبحان ربي الأعلى وعن ابن الزبير أنه قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.