قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن الأسود بن قيس قال : سمعت جُنْدُبا يقول : اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين ، فأتت امرأة فقالت : يا محمد ، ما أرى شيطانك إلا قد تركك . فأنزل الله عز وجل : { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }{[30173]} .
رواه البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، من طرق ، عن الأسود بن قيس ، عن جُنْدُب - هو ابن عبد الله البَجلي ثم العَلقي{[30174]} به{[30175]} وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس : سمع جندبًا قال : أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال المشركون : وُدِّع محمد . فأنزل الله : { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }{[30176]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله{[30177]} الأودي قالا حدثنا أبو أسامة ، حدثني سفيان ، حدثني الأسود بن قيس ، أنه سمع جندبًا يقول : رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر في أصبعه فقال :
هل أنت إلا أصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت
قال : فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم ، فقالت له امرأة : ما أرى شيطانك إلا قد تركتك{[30178]} فنزلت : { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } والسياق لأبي سعيد .
قيل : إن هذه المرأة هي : أم جميل امرأة أبي لهب ، وذكر أن إصبعه ، عليه السلام ، دميت . وقوله - هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون - ثابت في الصحيحين{[30179]} ولكن الغريب هاهنا جعله سببًا لتركه القيام ، ونزول هذه السورة . فأما ما رواه ابن جرير :
حدثنا ابن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا سليمان الشيباني ، عن عبد الله ابن شداد : أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أرى ربك إلا قد قلاك . فأنزل الله : { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }
وقال أيضا : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وَكِيع ، عن هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه قال : أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فجزع جزعًا شديدًا ، فقالت خديجة : إني أرى ربك قد قلاك مما نَرى من جزعك . قال : فنزلت : { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } إلى آخرها{[30180]} .
فإنه حديث مرسل من [ هذين الوجهين ]{[30181]} ولعل ذكر خديجة ليس محفوظًا ، أو قالته على وجه التأسف والتحزن ، والله أعلم .
وقد ذكر بعض السلف - منهم ابن إسحاق - أن هذه السورة هي التي أوحاها جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين تبدى له في صورته التي خلقه الله عليها ، ودنا إليه وتدلى منهبطًا عليه وهو بالأبطح ، { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [ النجم : 10 ] . قال : قال له هذه السورة : { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى }
قال العوفي ، عن ابن عباس : لما نزلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، أبطأ عنه جبريل أياما ، فتغير بذلك ، فقال المشركون : ودعه ربه وقلاه . فأنزل الله : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }
وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء ،
وقوله : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } أي : ما تركك ، { وَمَا قَلَى } أي : وما أبغضك ،
وقوله : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى وهذا جواب القسم ، ومعناه : ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك . وقيل : وَما قَلى ومعناه : وما قلاك ، اكتفاء بفهم السامع لمعناه ، إذ كان قد تقدّم ذلك قولُه : ما وَدّعَكَ فعُرف بذلك أن المخاطب به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى يقول : ما تركك ربك ، وما أبغضك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال : ما قلاك ربك وما أبغضك قال : والقالي : المبغض .
وذُكر أن هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تكذيبا من الله قريشا في قيلهم لرسول الله ، لما أبطأ عليه الوحي : قد ودّع محمدا ربّه وقَلاه . ذكر الرواية بذلك :
حدثني عليّ بن عبد الله الدهان ، قال : حدثنا مفضل بن صالح ، عن الأسود بن قيس العبديّ ، عن ابن عبد الله ، قال : لما أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت امرأة من أهله ، أو من قومه : ودّع الشيطان محمدا ، فأنزل الله عليه : وَالضّحَى . . . إلى قوله : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .
قال أبو جعفر : ابن عبد الله : هو جُندَب بن عبد الله البَجَلي .
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، ومحمد بن هارون القطان ، قالا : حدثنا سفيان ، عن الأسود بن قيس سمع جندبا البجليّ يقول : أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى قال المشركون : ودّع محمدا ربّه ، فأنزل الله : وَالضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الأسود بن قيس ، أنه سمع جندبا البَجَليّ قال : قالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أرى صاحبك إلا قد أبطأ عنك ، فنزلت هذه الاَية : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، قال : سمعت جندب بن عبد الله يقول : إن امرأة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : ما أرى شيطانك إلا قد تركك ، فنزلت : والضُحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا سليمان الشيبانيّ ، عن عبد الله بن شدّاد أن خديجة قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم : ما أرى ربك إلا قد قلاك ، فأنزل الله : وَالضّحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال : إن جبريل عليه السلام أبطأ عليه بالوحي ، فقال ناس من الناس ، وهم يومئذٍ بمكة ، ما نرى صاحبك إلا قد قلاك فودّعك ، فأنزل الله ما تسمع : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلَى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال : أبطأ عليه جبريل ، فقال المشركون : قد قلاه ربّه وودّعه ، فأنزل الله : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى مكث جبريل عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال المشركون : قد ودّعه ربه وقلاه ، فأنزل الله هذه الاَية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى قال : لما نزل عليه القرآن ، أبطأ عنه جبريل أياما ، فعُيّر بذلك ، فقال المشركون : ودّعه ربه وقلاه ، فأنزل الله : ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فجزع جزعا شديدا ، وقالت خديجة : أرى ربك قد قَلاك ، مما نرى من جزعك ، قال : فنزلت والضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى . . . إلى آخرها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.