تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} (3)

الآية3 : وقوله تعالى : { ما ودعك ربك وما قلا } على هذا وقع القسم . ثم اختلف في السبب الذي نزل هذا : قال بعضهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان سئل عن شيء ، إذ طلبوا منه شيئا ، فقال : أفعل ذلك غدا ، أو أخبركم عنه غدا ، ولم يستثن ، فاحتبس عنه الوحي أياما لذلك فقال المشركون : ودعه ربه ، وقلاه ، أي تركه ، وأبغضه .

ومنهم من قال : إنه أبطأ عليه الوحي ، فجزع جزعا شديدا ، فقالت له خديجة رضي الله عنها ، إني لأرى قد قلاك ربك ، وودعك ، ( لما رأت }{[23757]} من جزعه ، فنزل قوله تعالى : { ما ودعك ربك وما قلا } ولسنا ندري كيف كان الأمر .

فإن كان نزل ذلك لقول قريش فالقسم يحتمل ذلك ردا لقولهم . ( وإن كان ){[23758]} نزل لقول خديجة رضي الله عنها ، فهو غير محتمل لأن خديجة تعلم أن الله تعالى ، لم يودعه ، ولا قلاه ، وكذا كل مؤمن معتقد أن الله تعالى لا يودع أحدا من رسله ، ولأنها تصدق الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يودعه ، ولا قلاه ، إذا أخبرها ، بغير قسم ، فلا معنى للقسم . دل ( أن ){[23759]} هذا الوجه غير محتمل .

ثم صرفت تأويل الآية إلى غير ما قالوا أشبه عندنا ، وأقرب مما قالوا ، وهو أنه عليه السلام بعث إلى الفراعنة ، والجبابرة الذين كانت همتهم قتل من خالفهم وإهلاك من استقبلتهم بالخلاف ، ولم يكن معه فضل مال وسعة ، يستميل به قلوب الناس ، فيقول أولئك الكفرة . إن ربه قد خذله ، وتركه ، وقلاه ، حين{[23760]} بعثه إلى ما ذكرنا من الفراعنة والجبابرة الذين كانت همتهم القتل وعادتهم إهلاك من خالفهم بلا أنصار ولا أعوان من الملائكة ولا مال وسعة يستميل به القلوب والأنفس لأن من سلم إنسانا إلى أعدائه الذين يعلم أنهم أعداؤه ، ويخلي بينه وبين الأعداء بلا أنصار وأعوان ولا مال ولا سعة من الدنيا ، فيقال : إنه قد خذله ، وتركه ، وقلاه ، إذ لا يفعل ذلك في الأصل إلا لذلك ، فعند ذلك قالوا : ودعه ، وقلاه ، وهو ما قالوا : { لولا أنزل إليه/ 645 بلك فيكون معه نذيرا } { أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها } ( الفرقان : 7و8 ) { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } ( الزخرف : 31 ) ونحو ذلك مما قالوا .

فلولا صرف أهل التأويل تأويل الآية إلى ما ذكروا ، لكان{[23761]} صرفه إلى ما ذكرنا أشبه .

وفي{[23762]} قولهم : قد ودعه ربه ( دلالتان :

أولاهما : ){[23763]} أنهم قد عرفوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقروا ( بذلك ){[23764]} حتى قالوا : نزل قوله : { ما ودعك ربك وما قلا } .

والثانية{[23765]} : أنه لو كان يخترع على ما كان يقول{[23766]} أولئك لكان لا يحتبس عن الاختراع ، ويكون يخترع أبدا حتى لا يقولوا : إنه ودعه . فدل ظهور احتباس الوحي أنه عن أمر يخبر ( عنه ){[23767]} وأنه مأمور بذلك .

ثم أخبر أنه ( لم يبعثه ){[23768]} إلى هؤلاء الفراعنة والجبابرة لما ذكر أولئك الكفرة أنه خذله ، وتركه ، وقلاه ، ولكن بعثه ، وهو ينصره ، ويعينه على تبليغ ما أمر بتبليغه إلى من أمر بتبليغه ، ولم يقله ، ولكنه اصطفاه ، واختاره ، حتى يعلو أمره ، ويكثر ذكره ، وفي ذلك آية{[23769]} عظيمة على إثبات الرسالة ، وهو ما ذكرنا أنه بعث إلى من همتهم القتل والإهلاك لمن خالفهم ، فقهرهم جميعا ، وغلب على الكل حتى أظهر الإسلام في من قرب منه{[23770]} ومن بعد{[23771]} .


[23757]:في الأصل وم: مما ترى
[23758]:في الأصل وم: والقول الثاني أنه
[23759]:ساقطة من الأصل وم
[23760]:في الأصل وم: حيث
[23761]:في الأصل وم: وإلا
[23762]:الواو ساقطة من الأصل
[23763]:في الأصل وم: دلالة
[23764]:من م، ساقطة من الأصل
[23765]:في الأصل وم: والثاني
[23766]:في الأصل وم: يقولون
[23767]:ساقطة من الأصل وم
[23768]:في الأصل وم: يبعث
[23769]:في الأصل وم: لآية
[23770]:في الأصل وم: من
[23771]:في الأصل وم: بعده