النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} (3)

{ ما ودَّعَكَ ربُّكَ وما قَلَى{[3284]} } اختلف في سبب نزولها ، فروى الأسود بن قيس عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُمي بحجر في أصبعه فدميت ، فقال :

هل أنت إلاّ أصبعٌ دَميتِ *** وفي سبيل اللَّه ما لَقِيتِ

قال فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم ، فقالت له امرأة يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك ، فنزل عليه : { ما ودعك ربك وما قلى } . وروى هشام عن عروة عن أبيه قال : أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فجزع لذلك جزعاً شديداً ، قالت عائشة : فقال كفار قريش : إنا نرى ربك قد قلاك ، مما رأوا من جزعه ، فنزلت : { ما ودعك ربك وما قلى{[3285]} } .

وروى ابن جريج أن جبريل لبث عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشرة ليلة فقال المشركون : لقد ودع محمداً ربُّه ، فنزلت : { ما ودعك ربك وما قلى } .

وفي " وَدَّعَك " قراءتان :

أحدهما : قراءة الجمهور ودّعك ، بالتشديد ، ومعناها : ما انقطع الوحي عنك توديعاً لك .

والثانية : بالتخفيف ، ومعناها : ما تركك إعراضاً عنك .

" وما قلى " أي ما أبغضك ، قال الأخطل :

المهْديات لمن هوين نسيئةً *** والمحْسِنات لمن قَلَيْنَ مقيلاً


[3284]:أخرجه البخاري ومسلم والترمذي (جامع الأصول 2/ 431).
[3285]:أخرجه ابن جرير. والتي قالت أنا نرى ربك قد قلاك هي أم جميل قالت ذلك شماتة. وروى أن القائلة السيدة خديجة لكنها قالته توجعا انظر أسباب النزول للسيوطي 231.