إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} (3)

وقولُه تعالَى : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } جوابُ القسمِ أيْ ما قطعكَ قطعَ المودعِ وقُرِئَ بالتخفيفِ أيْ ما ترككَ { وَمَا قلى } أيْ ومَا أبغضكَ وحَذفُ المفعولِ إما للاستغناءِ عنْهُ بذكرِهِ من قبلُ أو للقصدِ إلى نفي صدورِ الفعلِ عنْهُ تعالَى بالكليةِ مع أنَّ فيهِ مراعاةً للفواصلِ . رُوي أنَّ الوحيَ تأخرَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أياماً لتركِه الاستثناءَ كما مَرَّ في سُورةِ الكهفِ أو لزجرِهِ سائلاً ملحاً فقالَ المشركونَ : إنَّ محمداً ودعَهُ ربُّهُ وقلاَهُ فنزلتْ رَدًّا عليهم وتَبْشيراً لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالكرامةِ الحاصلةِ والمترقبةِ كما يُشعِرُ به إيرادُ اسمِ الربِّ المنبئُ عنِ التربيةِ والتبليغِ إلى الكمالِ معَ الإضافةِ إلى ضميرِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ وحيثُ تضمنَ ما سبقَ من نفي التوديعِ والقِلَى أنَّه تعالى يواصلُه بالوَحْي والكرامةِ في الدُّنيا بشرهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بأنَّ مَا سيؤتيه في الآخرةِ أجلُّ وأعظمُ من ذلكَ فقيلَ : { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لكَ مِنَ الأولى } .