البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} (3)

وقرأ الجمهور { ما ودعك } بتشديد الدال ؛ وعروة بن الزبير وابنه هشام وأبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة : بخفها ، أي ما تركك .

واستغنت العرب في فصيح كلامها بترك عن ودع ووذر ، وعن اسم فاعلهما بتارك ، وعن اسم مفعولهما بمتروك ، وعن مصدرهما بالترك ، وقد سمع ودع ووذر .

قال أبو الأسود :

ليت شعري عن خليلي ما الذي *** غاله في الحب حتى ودعه

وقال آخر :

وثم ودعنا آل عمرو وعامر *** فرائس أطراف المثقفة السمر

والتوديع مبالغة في الودع ، لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك .

{ وما قلى } : ما أبغضك ، واللغة الشهيرة في مضارع قلى يقلى ، وطيىء تعلى بفتح العين وحذف المفعول اختصاراً في { قلى } ، وفي { فآوى } وفي { فهدى } ، وفي { فأغنى } ، إذ يعلم أنه ضمير المخاطب ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال ابن عباس وغيره : أبطأ الوحي مرة على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، حتى شق ذلك عليه ، فقالت أم جميل ، امرأة أبي لهب : يا محمد ما أرى شيطانك إلا تركك ؟ فنزلت .

وقال زيد بن أسلم : إنما احتبس عنه جبريل عليه السلام لجرو كلب كان في بيته .