وأما السبب في الأقسام نفسه فلأن الكفار لما ادّعوا أن ربه ودعه وقلاه وقد ثبت أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر قال لهم : هاتوا الحجة فعجزوا فلزمه اليمين بأنه ما ودعه ربه وما قلاه . وفيه أن الليل والنهار لا يسلمان من الزيادة والنقصان فيكف تطمع أن تسلم عن الخلق ؟ وفيه أن الليل زمان الاستيحاش والنهار وقت الاجتماع والمعاش فكأنه قال : استبشر فإن بعد الاستيحاش بسبب انقطاع الوحي يظهر ضحى نزول الوحي . وفيه أن الضحى لما كان وقت موعد موسى لمعارضة السحرة كما قال { موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى } [ طه :59 ] شرفه الله بأن أقسم به فعلم منه أن فضيلة الإنسان لا تضيع ثمرتها .
وفيه بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم أن الذي قلب قلوب السحرة حتى سجدوا يقلب قلوب أعدائك حتى يسلموا . وفيه أن الضحى وهو ساعة من النهار يوازي جميع الليل كما أن محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته يوازي جميع الأنبياء وأممهم . وفيه أن النهار وقت السرور والاجتماع والليل وقت الغموم والوحشة ، ففي الاقتصار على ذكر الضحى إشارة إلى أن غموم الدنيا أدوم من سرورها . يروى أن الله تعالى حين خلق العرش أظلت غمامة سوداء عن يساره ونادت : ماذا أمطر ؟ فأجيبت أن أمطري الهموم والأحزان مائة سنة . ثم انكشف فأمرت مرة أخرى بذلك وهكذا إلى تمام ثلاثمائة سنة ، ثم بعد ذلك أظلت عن يمين العرش غمامة بيضاء ونادت : ماذا أمطر ؟ فأجيبت أن أمطري السرور ساعة فلهذا السبب ترى الهموم دائمة والأفراح نادرة . وفي تقديم الضحى على الليل إشارة إلى أن الحياة أولى للمؤمن من الموت إلى أن تحصل كمالاته الممكنة له . وأيضاً إنه ذكر الضحى حتى لا يحصل اليأس من روحه ، ثم عقبه بالليل حتى لا يحصل الأمن من مكره . الثالثة : لا استعباد فيما يذكره الواعظ من تشبيه وجه محمد صلى الله عليه وسلم بالضحى وشعره بالليل . ومنهم من قال : الضحى ذكور أهل بيته ، والليل إناثهم . أو الضحى رسالته ، والليل زمان احتباس الوحي كما مرّ . ويحتمل أن يقال : الضحى نور علمه الذي به يعرف المستور من الغيوب والليل عفوه الذي به يستر جميع العيوب . أو الضحى إقبال الإسلام بعد أن كان غريباً ، والليل إشارة إلى أنه سيعود غريباً . أو الضحى كمال العقل ، والليل وقت السكون في القبر . أو أراد أقسم بعلانيتك التي لا يرى عليها الخلق عيباً وبسرك الذي لا يعلم عليه عالم الغيب عيباً . قال المفسرون : أبطأ جبريل عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر يوماً عن ابن جريج ، أو خمسة عشر عن الكلبي ، أو خمسة وعشرين يوماً عن ابن عباس ، أو أربعين عن السدّي ومقاتل . والسبب فيه أن اليهود سألوه عن ثلاث مسائل كما مرّ في " الكهف " فقال ؛ سأخبركم غداً ولم يقل " إن شاء الله " أو لأنّ جرواً للحسن والحسين كان في بيته أو لأنه كان فيهم من لا يقلم الأظفار ، فزعم المشركون أن ربه ودعه وقلاه . وروي أن أم جميل امرأة أبي لهب قالت له : يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت السورة . والتوديع مبالغة في الوداع لأن من ودعك فقد بالغ في تركك . والقلى البغض وحذف المفعول من " قلاك " و " آواك " و " هداك " و " أغناك " للفاصلة مع دلالة قرينة الحال أو المقال . والذي يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم شكا إلى خديجة إن ربي ودعني وقلاني .
إن ثبت فمحمول على أنه أراد امتحان خديجة ليعلم بعد غورها في المعرفة والعلم كما روي أنها قالت : والذي بعثك بالحق ما أهداك الله بهذه الكرامة إلا وهو يريد أن يتمها لك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.