تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ} (43)

وقوله : { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ } أي : السفينة سائرة بهم على وجه الماء ، الذي قد طَبَّق{[14602]} جميع الأرض ، حتى طفت{[14603]} على رءوس الجبال ، وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعا ، وقيل : بثمانين ميلا وهذه السفينة على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت كَنَفه وعنايته{[14604]} وحراسته وامتنانه كما قال تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [ الحاقة : 11 ، 12 ] ، وقال تعالى : { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [ القمر : 13 - 15 ] .

وقوله : { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ } هذا هو الابن الرابع ، واسمه " يام " ، وكان كافرا ، دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون ، { قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } وقيل : إنه اتخذ له مركبا من زُجاج ، وهذا من الإسرائيليات ، والله أعلم بصحته . والذي نص عليه القرآن أنه قال : { قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رءوس الجبال ، وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجّاه ذلك من الغرق ، فقال له أبوه نوح ، عليه السلام : { لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ } أي : ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله . وقيل : إن عاصما بمعنى معصوم ، كما يقال : " طاعم وكاس " ، بمعنى مطعوم ومكسُوّ ، { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } .


[14602]:- في ت : "طبق به".
[14603]:- في أ : "طفف"
[14604]:- في ت : "وغايته" ، وفي أ : "ورعايته".