واعلم أنه تعالى لما حكى عن نوح عليه السلام أنه دعاه إلى أن يركب السفينة حكى عن ابنه أنه قال : { ساوى إلى جبل يعصمني من الماء } وهذا يدل على أن الابن كان متماديا في الكفر مصرا عليه مكذبا لأبيه فيما أخبر عنه فعند هذا قال نوح عليه السلام : { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } وفيه سؤال ، وهو أن الذي رحمه الله معصوم فكيف يحسن استثناء المعصوم من العاصم وهو قوله : { لا عاصم اليوم من أمر الله } وذكروا في الجواب طرقا كثيرة .
الوجه الأول : أنه تعالى قال قبل هذه الآية : { وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربى لغفور رحيم } فبين أنه تعالى رحيم وأنه برحمته يخلص هؤلاء الذين ركبوا السفينة من آفة الغرق .
إذا عرفت هذا فنقول : إن ابن نوح عليه السلام لما قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال نوح عليه السلام أخطأت { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } والمعنى : إلا ذلك الذي ذكرت أنه برحمته يخلص هؤلاء من الغرق فصار تقدير الآية : لا عاصم اليوم من عذاب الله إلا الله الرحيم وتقديره : لا فرار من الله إلا إلى الله ، وهو نظير قوله عليه السلام في دعائه : " وأعوذ بك منك " وهذا تأويل في غاية الحسن .
الوجه الثاني : في التأويل وهو الذي ذكره صاحب «حل العقد » أن هذا الاستثناء وقع من مضمر هو في حكم الملفوظ لظهور دلالة اللفظ عليه ، والتقدير : لا عاصم اليوم لأحد من أمر الله إلا من رحم . وهو كقولك لا نضرب اليوم إلا زيدا ، فإن تقدير لا تضرب أحدا إلا زيدا إلا أنه ترك التصريح به لدلالة اللفظ عليه فكذا ههنا .
الوجه الثالث : في التأويل أن قوله : { لا عاصم } أي لا ذا عصمة كما قالوا : رامح ولابن ومعناه ذو رمح ، وذو لبن وقال تعالى : { من ماء دافق } و{ عيشة راضية } ومعناه ما ذكرنا فكذا ههنا ، وعلى هذا التقدير : العاصم هو ذو العصمة ، فيدخل فيه المعصوم ، وحينئذ يصح استثناء قوله : { إلا من رحم } منه .
الوجه الرابع : قوله : { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } عنى بقوله إلا من رحم نفسه ، لأن نوحا وطائفته هم الذين خصهم الله تعالى برحمته ، والمراد : لا عاصم لك إلا الله بمعنى أن بسببه تحصل رحمة الله ، كما أضيف الإحياء إلى عيسى عليه السلام في قوله : { وأحيي الموتى } لأجل أن الإحياء حصل بدعائه .
الوجه الخامس : أن قوله : { إلا من رحم } استثناء منقطع ، والمعنى لكن من رحم الله معصوم ونظيره قوله تعالى : { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } ثم إنه تعالى بين بقوله : { وحال بينهما الموج } أي بسبب هذه الحيلولة خرج من أن يخاطبه نوح { فكان من المغرقين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.